شرح الصدور بتحريم رفع القبور - محمد بن علي الشوكاني - الصفحة ١٧
تختم بها البحث: يقضى أبلغ قضاء وينادى أرفع نداء، ويدل أوضح دلالة، ويفيد أجلى مفاد: أن ما رواه صاحب البحر عن الإمام يحيى، غلط من أغاليط العلماء، وخطأ من جنس ما يقع للمجتهدين وهذا شأن البشر. والمعصوم من عصمه الله. وكل عالم يؤخذ من قوله ويترك، مع كونه رحمه الله من أعظم الأئمة أنصافا وأكثرهم تحريا للحق وإرشادا وتأثيرا، ولكننا رأيناه قد خالف من عداه بما قال: من جواز بناء القباب على القبور رددنا هذا الاختلاف إلى ما أوجب الله الرد إليه. وهو كتاب الله وسنة رسوله صلى الله عليه وسلم. فوجدنا في ذلك ما قدمنا ذكره من الأدلة الدالة أبلغ دلالة، والمنادية بأعلى صوت بالمنع من ذلك والنهي عنه، واللعن لفاعله والدعاء عليه. واشتداد غضب الله عليه، مع ما في ذلك من كونه ذريعة إلى الشرك، ووسيلة إلى الخروج عن الملة كما أوضحناه. فلو كان القائل بما قاله الإمام يحيى بعض الأئمة أو أكثرهم لكان قولهم ردأ عليهم، كما قدمناه في أول هذا البحث. فكيف والقائل به فرد من أفرادهم؟ وقد صح عن رسول الله صلى الله عليه وسلم أنه قال: " كل أمر ليس عليه أمرنا فهو رد "، ورفع القبور وبناء القباب والمساجد عليها ليس عليها أمر رسول الله صلى الله عليه وسلم، كما عرفناك ذلك فهو رد على قائله، أي مردود عليه.
والذي شرع للناس هذه الشريعة الإسلامية هو الرب سبحانه بما أنزله في كتابه وعلى لسان رسوله صلى الله عليه وسلم.
فليس لعالم - وإن بلغ من العلم إلى أرفع رتبة وأعلى منزلة - أن يكون بحيث يقتدى به فيما خالف الكتاب والسنة أو أحدهما،
(١٧)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 9 10 11 12 13 14 15 16 17 18 19 » »»