البحر الرائق - ابن نجيم المصري - ج ٤ - الصفحة ٣٩٩
يسار المعتق وإعساره يوم الاعتاق حتى لو أعتق وهو موسر ثم أعسر لا يبطل حق التضمين، ولو أعتق وهو معسر ثم أيسر لا يثبت لشريكه حق التضمين لأن الضمان متى تعين على المعتق أو السعاية على العبد شرعا برئ الآخر عن الضمان ولا يعود إليه أبدا كالغاصب مع غاصب الغاصب إذا تعين الضمان على أحدهما باختيار المالك برئ الآخر عنه فكذا هذا. ولو اختلفا في قيمة العبد يوم العتق، فإن كان العبد قائما يقوم العبد للحال لأنه أمكن معرفة قيمته للحال بالعيان ورفع اختلافهما بالبيان، وإن كان العبد هالكا فالقول قول المعتق لأنه تعذر معرفة قيمته بالعيان لأن أوصافه تتغير بالموت فيجب اعتبار قول واحد منهما والساكت يدعي الزيادة والمعتق ينكر فيكون القول له، وإن اتفقا على أن الاعتاق سابق على الاختلاف فالقول قول المعتق، كان العبد قائما أو هالكا، لأنه وقع العجز عن معرفة قيمته لأن قيمة الشئ قد تزداد وقد تنقص بمضي الوقت فيكون القول قول المعتق لانكار الزيادة. وإن اختلفا في الوقت والقيمة فقال المعتق أعتقته يوم كذا وقيمته مائة وقال الساكت أعتقته للحال وقيمته مائتان يحكم بالعتق للحال لأن العتق أمر حادث، والأصل في الحوادث أن يحكم بحدوثها حال ظهورها، فمن ادعى الحدوث حالة الظهور فهو متمسك بالأصل فيكون القول له فكان العتق ثبت بتصادقهما للحال فيقوم العبد إن كان قائما ويكون القول للمعتق في قيمته إن كان هالكا، وكذلك على هذا التفصيل لو اختلف الساكت والعبد في قيمته. وإن اختلفا في يسار المعتق وإعساره والعتق متقدم على الخصومة إن كانت مدة يختلف فيها اليسار والاعسار فالقول قول المعتق لأنه ينكر اليسار وشغل ذمته بالضمان، وإن كان لا يختلف يعتبر للحال، فإن علم يسار المعتق للحال فلا معنى للاختلاف، وإن لم يعلم فالقول للمعتق.
ولو مات أحدهم قبل أن يختار الشريك شيئا فلا يخلو إما إن مات العبد أو المعتق أو الساكت، فإن مات العبد ضمن المعتق في ظاهر الرواية لأنه ضمان إتلاف شرع لجبر الفائت فلا يسقط بهلاك محل التلف كما لو هلك المغصوب، وفي رواية لا يضمن المعتق. وإن كان للعبد كسب رجع بما ضمن المعتق فيه لأنه يملك نصيب الساكت بأداء الضمان من وقت العتق فصار مكاتبا له. وهل للساكت أن يأخذ من تركة العبد قيمة نصيبه إذا لم يضمن المعتق؟
قيل: له ذلك كالمكاتب، وقال عامة مشايخنا: ليس له ذلك. وظاهر إطلاق محمد يدل عليه، وأما إذا مات المعتق والعتق في صحته يؤخذ الضمان من ماله، وإن كان في مرضه فعندهما لا يجب شئ على ورثته في ماله، وعند محمد يستوفى من ماله. وأما إذا مات الساكت فلورثته أن يختار والاعتاق أو الضمان أو السعاية لأنهم قائمون مقام مورثهم، فإذا اختار بعضهم العتق وبعضهم الضمان فلهم ذلك في ظاهر الرواية. وروى الحسن عن أبي حنيفة أنه ليس لهم ذلك وصححه في المبسوط. وفي المجتبى: ومعنى قوله لورثته الاعتاق الابراء لا حقيقة العتق لأن المستسعي بمنزلة المكاتب عنده، ولا تورث رقبة المكاتب بموت مولاه وإنما يورث
(٣٩٩)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 394 395 396 397 398 399 400 401 402 403 404 ... » »»
الفهرست