البحر الرائق - ابن نجيم المصري - ج ٢ - الصفحة ٢٠٨
بدوام الاغماء لأنه إذا كان يفيق فيها فإنه ينظر، فإن كان لافاقته وقت معلوم مثل أن يخف عنه المرض عند الصبح مثلا فيفيق قليلا ثم يعاوده فيغمى عليه تعتبر هذه الإفاقة فيبطل ما قبلها محكم الاغماء إذا كان أقل من يوم وليلة، وإن لم يكن لافاقته وقت معلوم لكنه يفيق بغتة فيتكلم بكلام الأصحاء ثم يغمى عليه فلا عبرة بهذه الإفاقة. أطلق في الاغماء والجنون فشمل ما إذا كان بسبب فزع من سبع أو خوف من عدو فلا يجب القضاء إذا امتد إجماعا لأن الخوف بسبب ضعف قلبه وهو مرض إلا أنه يرد عليه ما إذا زال عقله بالخمر أو أغمي عليه بسبب شرب البنج أو الدواء فإنه لا يسقط عنه القضاء في الأول وإن طال اتفاقا لأنه حصل بما هو معصية فلا يوجب التخفيف، ولهذا يقع طلاقه ولا يسقط أيضا في الثاني عند أبي حنيفة لأن النص ورد في إغماء حصل بآفة سماوية فلا يكون واردا في إغماء حصل بصنع العباد لأن العذر إذا جاء من جهة غير من له الحق لا يسقط الحق. وقال محمد: يسقط القضاء إذا كثر لأنه إنما حصل بما هو مباح. كذا في المحيط. وشمل ما إذا كان الجنون أصليا كما إذا بلغ مجنونا وزال وهو قول محمد، فالعارض والأصلي عنده سواء في سقوط القضاء إذا كثر وعدمه إذا قل. وقال أبو يوسف: الأصلي كالصبا فلا قضاء مطلقا. كذا في السراج الوهاج.
وقيد بالصلاة في تسوية الجنون بالاغماء لأن بينهما فرقا في الصوم فإنه إذا أغمي عليه قبل شهر رمضان حتى مضى رمضان كله ثم أفاق فإنه يلزمه قضاء شهر رمضان، فلو جن قبل رمضان وأفاق بعد ما مضي شهر رمضان لا يلزمه قضاء الصوم كما سيأتي بيانه إن شاء الله تعالى. وظاهر كلامه أن الأكثرية من حيث الصلوات فإن الأكثر من خمس صلوات ست فأكثر وهو قول محمد ورواية عن أبي حنيفة وهو الأصح، وعند أبي يوسف وهو رواية عنه أيضا العبرة للزيادة من حيث الساعات، وفائدته تظهر فيما إذا أغمي عليه قبل الزوال فأفاق من الغد بعد الزوال، فعند أبي يوسف لا يجب القضاء، وعند محمد يجب إذا أفاق قبل خروج وقت الظهر والله سبحانه وتعالى أعلم بالصواب، وإليه المرجع والمآب.
(٢٠٨)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 203 204 205 206 207 208 209 210 211 212 213 ... » »»
الفهرست