البحر الرائق - ابن نجيم المصري - ج ١ - الصفحة ٢١٦
قوله: (ومائتان لو لم يكن نزحها) أي ينزح مائتا دلو إن كانت البئر معينة لا يمكن نزحها بسبب أنهما كلما نزحوا نبع من أسفله مثل ما نزحوا أو أكثر. وقد اختلفت الروايات فيها فما في الكتاب مروي عن محمد قالوا إنما أفتى به بناء على ما شاهد في بغداد لأن الغالب ماء آبارها كان لا يزيد على ثلاثمائة، وروي عن أبي حنيفة التقدير بمائة دلو قالوا:
أفتى بذلك بناء على قلة المياه في آبار الكوفة. وفي الهداية: وعن أبي حنيفة في الجامع الصغير في مثله ينزح حتى يغلبهم الماء ولم يقدر الغلبة بشئ كما هو دأبه في مثله ا ه‍. وإنما لم يقدرها لأنها متفاوتة والنزح إلى أن يظهر العجز أمر صحيح في الشرع لأن الطاعة بحسب الطاقة. وقيل: على قول أبي حنيفة يجب قدر ما يغلب على ظنهم أنه جميع الماء عند ابتداء النزح والأصح تفسير الغلبة بالعجز. كذا ذكر قاضيخان. وعن أبي يوسف وجهان: أحدهما أن تحفر حفيرة عمقها ودورها مثل موضع الماء منها وتجصص على قول بعض المشايخ ويصب فيها، فإذا امتلأت فقد نزح ماؤها. والثاني أن ترسل قصبة في الماء ويجعل علامة لمبلغ الماء ثم ينزح عشر دلاء مثلا، ثم تعاد القصبة فينظركم انتقص، فإن انتقص العشر فهو مائة قالوا:
ولكن هذا لا يستقيم إلا إذا كان دور البئر من أول حد الماء إلى قعر البئر متساويا، وإلا لا يلزم إذا نقص شبر بنزح عشر من أعلى الماء أن ينقص شبر بنزح مثله من أسفله. وعن أبي نصر محمد بن سلام أنه يؤتى برجلين لهما بصارة بأمر الماء، فإذا قدراه بشئ وجب نزح ذلك القدر وهو الأصح والأشبه بالفقه. وفي معراج الدراية أنه المختار لكونهما نصاب الشهادة الملزمة، واشتراط المعرفة لهما بالماء باعتبار أن الأحكام إنما تستفاد ممن له علم، أصله قول تعالى * (فاسئلوا أهل الذكر إن كنتم لا تعلمون) * (النحل: 43) وظاهر ما في النقاية الاكتفاء بواحد لأنه أمر ديني فيكتفي بالواحد، لكن أكثر الكتب على الاثنين وقد صحح هذا القول جماعة واختاروه، وصحح الإمام حسام الدين في شرح الجامع الصغير اعتبار الغلبة وهي العجز، وذكر أن الفتوى، على أنه يفوض إلى رأي المبتلى به. وفي الخلاصة أن الفتوى على أنه ينزح ثلاثمائة، وكذا في معراج الدراية معزيا إلى فتاوى العتابي أن المختار ما عن محمد. فالحاصل أنه قد اختلف التصحيح في المسألة واختلفت الفتوى فيها، والافتاء بما عن محمد أسهل على الناس، والعمل بما عن أبي نصر أحوط، ولهذا قال في الاختيار: وما روي عن محمد أيسر على الناس لكن لا يخفى ضعفه فإنه إذا كان الحكم الشرعي نزح جميع الماء للحكم بنجاسته، فالقول بطهارة البئر بالاقتصار على نزح عدد مخصوص من الدلاء يتوقف
(٢١٦)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 211 212 213 214 215 216 217 218 219 220 221 ... » »»
الفهرست