البحر الرائق - ابن نجيم المصري - ج ١ - الصفحة ٧٦
تنامان ولا ينام قلبي. ولا يشكل عليه ما ورد في الصحيح من أنه نام ليلة التعريس حتى طلعت الشمس لأن القلب يقظان يحس بالحدث وغيره مما يتعلق بالبدن ويشعر به القلب، وليس طلوع الفجر والشمس من ذلك ولا هو مما يدرك بالقلب وإنما يدرك بالعين وهي نائمة، وهذا هو المشهور في كتب المحدثين والفقهاء كذا في شرح المهذب.
قوله (وإغماء وجنون) أي وينقضه إغماء وجنون. أما الاغماء فهو ضرب من المرض يضعف القوى ولا يزيل الحجا أي العقل بل يستره بخلاف الجنون فإنه يزيله، ولذا لم يعصم النبي صلى الله عليه وسلم من الاغماء كالأمراض وعصم من الجنون وهو كالنوم في فوت الاختيار وفوت استعمال القدرة حتى بطلت عباراته بل أشد منه لأن النوم فترة أصلية وإذا نبه انتبه، والاغماء عارض لا يتنبه صاحبه إذا نبه فكان حدثا بكل حال، ولذا أطلقه في المختصر بخلاف النوم فإنه لا يكون حدثا إلا إذا استرخت مفاصله غاية الاسترخاء فغلب الخروج حينئذ فأقيم السبب مقامه بخلافه في غير هذه الحالة فإن الغالب فيها عدمه فلا يقام السبب مقامه فكان عدم النقض على أصل القياس الذي يقتضي أن غير الخارج لا ينقض، وبهذا اندفع ما وقع في كثير من الكتب من أن القياس أن يكون النوم حدثا في الأحوال كلها. وقد نقل النووي في شرح المهذب الاجماع على ناقضية الاغماء والجنون. يقال أغمي عليه وهو مغمى عليه وغمي عليه فهو مغمى عليه، ورجل غمي أي مغمى عليه وكذا الاثنان والجمع والمؤنث، وقد ثناه بعضهم وجمعه فقال رجلان أغميان ورجال أغماء. وأما الجنون فهو زوال العقل ونقضه ظاهر باعتبار عدم مبالاته وتمييز الحدث من غيره. وعلله بعض المشايخ بغلبة الاسترخاء، ورد بأن الجنون قد يكون أقوى من الصحيح فالأولى ما قلناه كذا في العناية.
وأما العتة فلم أر من ذكره من النواقض ولا بد من بيان حقيقته وحكمه. أما الأول فهو آفة توجب الاختلال بالعقل بحيث يصير مختلط الكلام فاسد التدبير لأنه لا يضرب ولا يشتم.
وأما الثاني فقد اختلف فيه على ثلاثة أقوال: ففي أصول فخر الاسلام وشمس الأئمة والمنار والمغني والتوضيح أنه كالصبي مع العقل في كل الأحكام فيوضع عنه الخطاب. وفي التقويم لأبي زيد الدبوسي أن حكمه حكم الصبي مع العقل إلا في العبادات فإنا لم نسقط عنه الوجوب به احتياطا في وقت الخطاب، ورده صدر الاسلام أبو اليسر بأنه نوع جنون فمنع الوجوب لأنه لا يقف على العواقب. وفي أصول البستي أن المعتوه ليس بمكلف بأداء العبادات كالصبي العاقل إلا أنه إذا زال العتة توجه عليه الخطاب بالأداء حالا وبقضاء ما مضى إذا لم يكن فيه حرج كالقليل فقد صرح بأنه يقضي القليل دون الكثير وإن لم يكن مخاطبا فيما قبل كالنائم والمغمى عليه دون الصبي إذ بلغ وهو أقرب إلى التحقيق، كذا في شرح المغني للهندي. وظاهر كلام الكل الاتفاق على صحة أدائه العبادات، أما من جعله مكلفا بها
(٧٦)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 71 72 73 74 75 76 77 78 79 80 81 ... » »»
الفهرست