البحر الرائق - ابن نجيم المصري - ج ١ - الصفحة ٥٦٦
وهو: التحيات لله والصلوات والطيبات، السلام عليك أيها النبي ورحمة الله وبركاته، السلام علينا وعلى عباد الله الصالحين، أشهد أن لا إله إلا الله وأشهد أن محمدا عبده ورسوله.
فسمي تشهدا تسمية للكل باسم جزئه الأشرف لأن التشهد أشرف أذكاره. ثم في تفسير ألفاظها أقوال كثيرة أحسنها أن التحيات العبادات القولية، والصلوات العبادات البدنية، والطيبات العبادات المالية، فجميع العبادات لله تعالى لا يستحقه غيره ولا يتقرب بشئ منه إلى ما سواه. ثم هو على مثال من يدخل على الملوك فيقدم الثناء أولا ثم الخدمة ثانيا ثم بذل المال ثالثا. وأما قوله السلام عليك أيها النبي ورحمة الله وبركاته حكاية سلام الله تعالى على نبيه عليه الصلاة والسلام فهي ثلاثة بمقابلة الثلاث التي أثنى بها النبي صلى الله عليه وسلم على ربه ليلة الاسراء. والسلام من سلم الله تعالى عليه أو من تسليمه من الآفات، والأظهر أن المراد بالرحمة هنا نفس الاحسان منه تعالى لا إرادته لأن المراد الدعاء بها، والدعاء إنما يتعلق بالممكن والإرادة قديمة بخلاف نفس الاحسان، والبركة النماء والزيادة من الخير، ويقال البركة جماع كل خير. ثم إنه صلى الله عليه وسلم أعطى سهما من هذه الكرامة لاخوانه الأنبياء والملائكة وصالح المؤمنين من الإنس والجن لأنه يعمهم كما شهدت به السنة الصحيحة حيث قال صلى الله عليه وسلم هذه الكلمات فإنكم إذا قلتموها أصابت كل عبد صالح في السماء والأرض. والعباد جمع عبد قال بعضهم ليس شئ أشر ف من العبودية، ومراده من صفات المخلوقين وإلا فهي منبئة عن النقص لدلالتها على الحاجة والافتقار كما ذكره الغزالي في جواهر القرآن. وعرفها النسفي بأنها الرضا بما يفعله الرب تعالى والعبادة فعل ما يرضي الرب، وأن العبودية أقوى منها لأنها لا تسقط في العقبى بخلاف العبادة. والصالح هو القائم بحقوق الله وحقوق عباده ولذا وصف الأنبياء نبينا عليه الصلاة والسلام به ليلة الاسراء فقالوا مرحبا بالنبي الصالح، ولذا قالوا: لا ينبغي الجزم به في حق شخص معين من غير شهادة الشارح له به، وإنما يقال هو صالح فيما أظن أو في ظني خوفا من الشهادة بما ليس س فيه. وأشهد معناه أعلم وأتيقن ألوهية الله تعالى وحده لا شريك له، وعبودية محمد ورسالته صلى الله عليه وسلم. وقدمت العبودية على الرسالة لما قدمنا أنها أشرف صفاته ولهذا وصفه الله تعالى بها في قوله تعالى * (سبحان الذي أسرى بعبده) * (الاسراء: 1) وفي قوله تعالى * (فأوحى إلى عبده ما أوحى) * [النجم: 10]
(٥٦٦)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 561 562 563 564 565 566 567 568 569 570 571 ... » »»
الفهرست