البحر الرائق - ابن نجيم المصري - ج ١ - الصفحة ١٦٠
المولد والمعاش وله دم سائل فإنه سيأتي أنه لا ينجس في ظاهر الرواية مع أن عبار المصنف بخلافه فلذا فرق في الهداية بينهما، ونقل في الهداية خلاف الشافعي في المسألة الأولى وكذا في الثانية إلا في السمك، وما ذكره من خلاف الشافعي في الأولى ضعيف، والصحيح من مذهبه أنه كقولنا كما صرح به النووي في شرح المهذب. وفي غاية البيان قال أبو الحسن الكرخي في شرح الجامع الصغير: لا أعلم أن فيه خلافا بين الفقهاء ممن تقدم الشافعي، وإذا حصل الاجماع في الصدر الأول صار حجة على من بعده ا ه‍. وقد علمت أنه موافق لغيره وعلى تقدير مخالفته لا يكون خارقا للاجماع فقد قال بقوله القديم يحيى بن أبي كثير التابعي الجليل كما نقله الخطابي ومحمد بن المنكدر الإمام التابعي كما نقله النووي، والدليل على أصل المسألة ما رواه البخاري في صحيحه بإسناده إلى أبي هريرة رضي الله عنه أنه قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا وقع الذباب في إناء أحدكم فليغمسه ثم لينزعه فإن في أحد جناحيه داء وفي الآخر شفاء وفي رواية النسائي وابن ماجة من حديث أبي سعيد الخدري فإذا وقع في الطعام فامقلوه فيه فإنه يقدم السم ويؤخر الشفاء (1) ومعنى امقلوه أغمسوه. وجه الاستدلال به أن الطعام قد يكون حارا فيموت بالغمس فيه، فلو كان يفسده لما أمر النبي صلى الله عليه وسلم بغمسه ليكون شفاء لنا إذا أكلناه، وإذا ثبت الحكم في الذباب ثبت في غيره مما هو بمعناه كالبق والزنابير والعقرب والبعوض والجراد والخنفساء والنحل والنمل والصرصر والجعلان وبنات وردان والبرغوث والقمل. إما بدلالة النص أو بالاجماع كذا في المعراج. قال الإمام الخطابي: وقد تكلم على هذا الحديث من لا خلاق له. وقال: كيف يجتمع الداء والشفاء في جناحي الذبابة، وكيف تعلم ذلك حتى تقدم جناح الداء قال: وهذا سؤال جاهل أو متجاهل، والذي يجد نفسه ونفوس عامة الحيوان قد جمع فيها الحرارة والبرودة والرطوبة واليبوسة وهي أشياء متضادة إذا تلاقت تفاسدت، ثم يرى الله عز وجل قد ألف بينها وجعلها سببا لبقاء الحيوان وصلاحه لجدير أن لا ينكر اجتماع الداء والدواء في جزأين من حيوان واحد، وأن الذي ألهم النحلة اتخاذ بيت عجيب الصنعة وتعسل فيه، وألهم النملة كسب قوتها وادخاره لأوان حاجتها إليه، وهو الذي خلق الذبابة وجعل لها الهداية إلى أن تقدم جناحا وتؤخر آخر لما أراد الله من الابتلاء الذي هو مدرجة التعبد والامتحان الذي هو
(١٦٠)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 155 156 157 158 159 160 161 162 163 164 165 ... » »»
الفهرست