البحر الرائق - ابن نجيم المصري - ج ١ - الصفحة ١٣٩
الأعظم أبي حنيفة وأبي يوسف ومحمد رضي الله عنهم أجمعين فتعين المصير إليه. وإما ما اختاره كثير من مشايخنا المتأخرين بل عامتهم كما نقله في معراج الدراية من اعتبار العشر في العشر فقد علمت أنه ليس مذهب أصحابنا، وإن محمدا وإن كان قدر به رجع عنه كما نقله الأئمة الثقات الذين هم أعلم بمذهب أصحابنا. فإن قلت: إن في الهداية وكثير من الكتب أن الفتوى على اعتبار العشر في العشر واختاره أصحاب المتون فكيف ساغ لهم ترجيح غير المذهب؟ قلت: لما كان مذهب أبي حنيفة التفويض إلى رأي المبتلى به وكان الرأي يختلف بل من الناس من لا رأي له اعتبر المشايخ العشر في العشر توسعة وتيسيرا على الناس. فإن قلت: هل يعمل بما صح من المذهب أو بفتوى المشايخ؟ قلت: يعمل بما صح من المذهب فقد قال الإمام أبو الليث في نوازله: سئل أبو نصر عن مسألة وردت عليه ما تقول رحمك الله وقعت عندك كتب أربعة: كتاب إبراهيم بن رستم وأدب القاضي عن الخصاف وكتاب المجرد وكتاب النوادر من جهة هشام، فهل يجوز لنا أن نفتي منها أو لا وهذه الكتب محمودة عندك؟ فقال: ما صح عن أصحابنا فذلك علم محبوب مرغوب فيه مرضى به، وأما الفتيا فإني لا أرى لاحد أن يفتي بشئ لا يفهمه ولا يتحمل أثقال الناس، فإن كانت مسائل قد اشتهرت وظهرت وانجلت عن أصحابنا رجوت أن يسع الاعتماد عليها في النوازل انتهى. وعلى تقدير عدم رجوع محمد عن هذا التقدير فما قدر به لا يستلزم تقديره به إلا في نظره وهو لا يلزم غيره، وهذا لأنه لما وجب كونه ما استكثره المبتلى فاستكثار واحد لا يلزم غيره بل يختلف باختلاف ما يقع في قلب كل إنسان، وليس هذا من قبيل الأمور التي يجب فيها على العامي تقليد المجتهد إليه. أشار في فتح القدير ويؤيده ما في شرح الزاهدي عن الحسن وأصح حده ما لا يخلص بعض الماء إلى بعض بظن المبتلى به واجتهاده ولا يناظر المجتهد فيه ا ه‍. فعلم من هذا أن التقدير بعشر في عشر لا يرجع إلى أصل شرعي يعتمد عليه كما قاله محيي السنة. فإن قلت: قال في شرح الوقاية وإنما قدر به بناء على قوله صلى الله عليه وسلم
(١٣٩)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 134 135 136 137 138 139 140 141 142 143 144 ... » »»
الفهرست