المبسوط - السرخسي - ج ٢٤ - الصفحة ٤٨
أو لتشربن هذا الخمر أو لتأكلن هذه الميتة أو لحم هذا الخنزير ففعل شيئا من ذلك كان عندنا في سعة لان حرمة هذه الأشياء ثابتة بالشرع وهي مفسدة بحالة الاختيار فان الله تعالى استثنى حالة الضرورة من التحريم بقوله عز وجل الا ما اضطررتم إليه والكلام المقيد بالاستثناء يكون عبارة عما وراء المستثنى فظهر أن التحريم مخصوص بحالة الاختيار وقد تحققت الضرورة هنا لخوف التلف على نفسه بسبب الاكراه فالتحقت هذه الأعيان في حالة الضرورة بسائر الأطعمة والأشربة فكان في سعة من التناول منها وإن لم يفعل ذلك حتى يقتل كان آثما وعن أبي يوسف رحمه الله انه لا يكون آثما وكذلك هذا فيمن أصابته مخمصة فلم يتناول من الميتة حتى مات فعلى ظاهر الرواية يكون آثما وعلى رواية أبى يوسف لا يكون آثما فالأصل عند أبي يوسف أن الاثم ينتفى عن المضطر ولا تنكشف الحرمة بالضرورة قال الله تعالى فمن اضطر غير باغ ولا عاد فلا اثم عليه وقال تعالى فمن اضطر في مخمصة غير متجانف لاثم فان الله غفور رحيم وهذا لان الحرمة بصفة انها ميتة أو خمر وبالضرورة لا ينعدم ذلك فإذا امتنع كان امتناعه من الحرام فلا يكون آثما فيه وجه ظاهر الرواية ان الحرمة لا تتناول حالة الضرورة لأنها مستثناة بقوله الله تعالى الا ما اضطررتم إليه فاما أن يقال يصير الكلام عبارة عما وراء المستثنى وقد كان مباحا قبل التحريم فبقي على ما كان في حالة الضرورة أو يقال الاستثناء من التحريم إباحة وإذا ثبتت الإباحة في حالة الضرورة فامتناعه من التناول حتى تلف كامتناعه من تناول الطعام الحلال حتى تلفت نفسه فيكون آثما في ذلك وصفة الخمرية توجب الحرمة لمعنى الرفق بالمتناول وهو أن يمنعه من استعمال عقله ويصده عن ذكر الله وعن الصلاة وكذلك لحم الخنزير لما في طبخ الخنزير من الانتهاب وللغذاء أثر في الخلق والرفق هنا في الإباحة عند الضرورة لان اتلاف البعض أهون من اتلاف الكل وفى الامتناع من التناول هلاك الكل فتثبت الإباحة في هذه الحالة لهذا المعنى وكذلك لو أوعد بقطع عضو أو بضرب مائة سوط أو أقل منها مما يخاف على نفسه أو عضو من أعضائه لان حرمة الأعضاء كحرمة النفس (ألا ترى) أن المضطر كما لا يباح له قتل الانسان ليأكل من لحمه لا يباح له قطع عضو من أعضائه والضرب الذي يخاف منه التلف بمنزلة القتل على ما بينا أن فتنة السوط أشد من فتنة السيف والأعضاء في هذا سواء حتى لو أوعده بقطع أصبع أو أنملة يتحقق به الالجاء فكل ذلك محرم باحترام النفس تبعا لها ولو أوعده بضرب سوط أو سوطين لم يسعه
(٤٨)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 43 44 45 46 47 48 49 50 51 52 53 ... » »»
الفهرست
الرقم العنوان الصفحة
1 كتاب الأشربة 2
2 باب التعزير 35
3 باب من طبخ العصير 37
4 كتاب الاكراه 38
5 باب ما يكره عليه اللصوص غير المتأولين 47
6 باب الاكراه على العتق والطلاق والنكاح 62
7 باب ما يكره أن يفعله بنفسه أو ماله 66
8 باب تعدي العامل 72
9 باب الاكراه على دفع المال وآخذه 78
10 باب من الاكراه على الاقرار 83
11 باب من الاكراه على النكاح والخلع والعتق والصلح عن دم العمد 85
12 باب الاكراه على الزنا والقطع 88
13 باب الاكراه على البيع ثم يبيعه المشتري من آخر أو يعتقه 93
14 باب الاكراه على ما يجب به عتق أو طلاق 100
15 باب الإكراه على النذر و اليمين 105
16 باب اكراه الخوارج المتأولين 108
17 باب ما يخالف المكره فيه أمر به 109
18 باب الاكراه على أن يعتق عبده عن غيره 112
19 باب الاكراه على الوديعة وغيرها 119
20 باب التلجئة 122
21 باب العهدة في الاكراه 128
22 باب ما يخطر على بال المكره من غير ما أكره عليه 129
23 باب زيادة المكره على ما أمره به 132
24 باب الخيار في الاكراه 135
25 باب الاكراه فيما يوجب لله عليه أن يؤديه اليه 144
26 باب الاكراه في الوكالة 147
27 باب ما يسع الرجل في الاكراه وما لا يسعه 151
28 باب اللعان الذي يقضى به القاضي ثم يتبين أنه باطل 155
29 كتاب الحجر 156