المبسوط - السرخسي - ج ٢٤ - الصفحة ١٥٢
لنقتلنك فأبى أن يفطر حتى قتل وهو يعلم أن ذلك يسعه كان مأجورا لأنه متمسك بالعزيمة وفيما فعله إظهار الصلابة في الدين وأن أفطر وسعه ذلك لان الفطر رخصة له عن الضرورة إلا أن يكون مريضا يخاف على نفسه إن لم يأكل ولم يشرب حتى مات وهو يعلم أن ذلك يسعه فحينئذ يكون آثما وكذلك لو كان مسافرا فصام في شهر رمضان فقيل له لنقتلنك أو لتفطرن فأبى أن يفطر حتى قتل كان آثما لان الله تعالى أباح له الفطر في هذين الوجهين معتدا بقوله تعالى فمن كان منكم مريضا أو على سفر فعدة من أيام أخر فعند خوف الهلاك شهر رمضان في حقهما أيامه كلياليه وكأيام شعبان في حق غيرهما فيكون في الامتناع حتى يموت بمنزلة المضطر في فصل الميتة بخلاف الصحيح المقيم فالامر بالصوم في حقه عزيمة قال الله تعالى فمن شهد منكم الشهر فليصمه والفطر عند الضرورة رخصة فان ترخص بالرخصة فهو في سعة من ذلك وان تمسك بالعزيمة فهو أفضل له وهذا كله بناء على مذهبنا انه يصير مفطرا بالتناول مكرها وعند الشافعي رحمه الله لا يصير مفطرا وقد بينا هذا في الصوم فان الخاطئ والمكره عنده في الحكم سواء وقال المكره مسلوب الفعل (ألا ترى) ان الاتلاف الحاصل بفعله يصير منسوبا إلى المكره ولكنا نقول المكره إنما يجعل آلة للمكره فيما يصلح أن يكون آلة له وهو في الجناية على صوم نفسه لا يصلح أن يكون آلة للغير فيقتصر حكم فعله في حق الافطار عليه (ألا ترى) أن المكره لو كان صائما لم يصر مفطرا بهذا فلو جعلنا الفعل عدما في حكم المكره في حق الصوم رجع إلى الاهدار وليس للاكراه تأثير في الاهدار ولا في تبديل محل الجناية وبه فارق حكم الضمان لأنا لو جعلنا الفعل منسوبا إلى المكره لا يؤدى إلى الاهدار ولا إلى تبديل محل الجناية ولو قال له لأقتلنك أو لتأخذن مال هذا الرجل فتعطينيه فأبى أن يفعل ذلك حتى قتل وهو يعلم أن ذلك يسعه كان مأجورا إن شاء الله لان الاخذ عند الضرورة مباح له بطريق الرخصة وقيام الحرمة والتقوى حقا للمالك يوجب أن تكون العزيمة في ترك الاخذ فان تمسك بالعزيمة كان مأجورا وقيده بالاستثناء لأنه لم يجعل هذا بعينه نصا بعينه وإنما قاله بالقياس على ما تقدم وليس هذا في معنى ما تقدم من كل وجه لان الامتناع من الاخذ هنا لا يرجع إلى اعزاز الدين فلهذا قيده بالاستثناء ولو أن محرما قيل له لنقتلنك أو لتقتلن هذا الصيد فأبى أن يفعل حتى قتل كان مأجورا إن شاء الله لان حرمة قتل الصيد على المحرم حرمة مطلقة قال الله تعالى لا تقتلوا الصيد وأنتم حرم فكأن لا الامتناع عزيمة وإباحة قبل الصيد رخصة
(١٥٢)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 147 148 149 150 151 152 153 154 155 156 157 ... » »»
الفهرست
الرقم العنوان الصفحة
1 كتاب الأشربة 2
2 باب التعزير 35
3 باب من طبخ العصير 37
4 كتاب الاكراه 38
5 باب ما يكره عليه اللصوص غير المتأولين 47
6 باب الاكراه على العتق والطلاق والنكاح 62
7 باب ما يكره أن يفعله بنفسه أو ماله 66
8 باب تعدي العامل 72
9 باب الاكراه على دفع المال وآخذه 78
10 باب من الاكراه على الاقرار 83
11 باب من الاكراه على النكاح والخلع والعتق والصلح عن دم العمد 85
12 باب الاكراه على الزنا والقطع 88
13 باب الاكراه على البيع ثم يبيعه المشتري من آخر أو يعتقه 93
14 باب الاكراه على ما يجب به عتق أو طلاق 100
15 باب الإكراه على النذر و اليمين 105
16 باب اكراه الخوارج المتأولين 108
17 باب ما يخالف المكره فيه أمر به 109
18 باب الاكراه على أن يعتق عبده عن غيره 112
19 باب الاكراه على الوديعة وغيرها 119
20 باب التلجئة 122
21 باب العهدة في الاكراه 128
22 باب ما يخطر على بال المكره من غير ما أكره عليه 129
23 باب زيادة المكره على ما أمره به 132
24 باب الخيار في الاكراه 135
25 باب الاكراه فيما يوجب لله عليه أن يؤديه اليه 144
26 باب الاكراه في الوكالة 147
27 باب ما يسع الرجل في الاكراه وما لا يسعه 151
28 باب اللعان الذي يقضى به القاضي ثم يتبين أنه باطل 155
29 كتاب الحجر 156