المبسوط - السرخسي - ج ٢٤ - الصفحة ١٤٣
حرام وكذلك في مسألة المضطر المستحب للقوي أن لا يمنع من أخذ الطعام ودفعه إلى المضطر لان ذلك يسير لا يجحف به غرمه ولو كان بحيث يجحف به لم أر بأسا أن لا يأخذه ولو رأى رجلا يقتل رجلا وهو يقوى على منعه لم يسعه إلا أن يمنعه وإن كان يأتي ذلك على نفس الذي أراد قتل صاحبه بخلاف فضل المال لان هذا لا يلتزم غرما بهذا الدفع وان أتى على نفس القاصد فالقاصد باغ قد أبطل دمه بما صنع (ألا ترى) أنه إذا قصد قتله فقتله المقصود لم يلزمه شئ فكذلك إذا قصد قتل غيره فقتله هذا الذي يقوى عليه فأما في فضل المال القوى فيلتزم الغرم بما يأخذه لان بسبب الضرورة للمضطر لا تسقط الحرمة والقيمة في حق صاحب المال فلهذا كان له أن يمتنع من ذلك ولو انتهوا إلى بئر فيها ماء فمنع المضطر من الشرب منها فلم يقو عليهم وقوى صاحبه على قتالهم حتى يأخذ الماء فيسقيه إياه لم يسعه الا ذلك وان أتى على أنفسهم لأنهم ظالمون في منع المضطر حقه فحق السقيا في ماء البئر ثابت لكل أحد ولو قوى المضطر بنفسه على أن يقاتلهم بالسيف حتى يقتلهم ويخلوا بينه وبين الماء فكذلك من يقوى على ذلك من رفقائه (ألا ترى) أنه لا يلتزم غرما يفعله فهو نظير القاصد إلى قتل الغير فأما في الطعام والشراب الذي أحرزوه في أوعيتهم فلم يبق للغير فيه حق وان اضطر إلى ذلك (ألا ترى) أنه لا يسعه أن يقاتلهم عليه أن منعوه فكذلك لغيره أن يمتنع من التزام الغرم بأخذه (ألا ترى) أن الماء الذي في البئر لو باعوه منه لم يجز بخلاف ما لو أحرزوه في أوعيتهم ولو بذلوا له الطعام أو الشراب بثمن مثل ما يشترى به مثله فأبى أن يأخذه بذلك حتى مات وهو يقدر على ثمنه كان آثما في ذلك لأنه في معنى قاتل نفسه حين امتنع من تحصيل ما هو سبب لبقائه مع قدرته على ذلك وقد قال الله تعالى ولا تقتلوا أنفسكم ولأنه ملق نفسه في التهلكة في بالامتناع من أداء الثمن عند عرضهم عليه إذا كان واجدا للثمن ولو قيل له لتشربن هذه الخمر أو لتأكلن هذه الميتة أو لتقتلن ابنك هذا أو أباك لم يسعه شرب الخمر ولا أكل الميتة لانعدام الضرورة (ألا ترى) أن هذا بمنزلة التهديد بالحبس في حقه كما قررنا ولو قيل له لتقتلن ابنك هذا أو أباك أو لتبيعن عبدك هذا بألف درهم فباعه فالقياس ان البيع جائز لأنه ليس بمكره على البيع فالمكره من يهدد بشئ في نفسه ولكنه استحسن فقال البيع باطل لان البيع يعتمد تمام الرضا وبما هدد به ينعدم رضاه فالانسان لا يكون راضيا عادة بقتل أبيه أو ابنه ثم هذا يلحق الهم والحزن به فيكون بمنزلة الاكراه بالحبس والاكراه
(١٤٣)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 138 139 140 141 142 143 144 145 146 147 148 ... » »»
الفهرست
الرقم العنوان الصفحة
1 كتاب الأشربة 2
2 باب التعزير 35
3 باب من طبخ العصير 37
4 كتاب الاكراه 38
5 باب ما يكره عليه اللصوص غير المتأولين 47
6 باب الاكراه على العتق والطلاق والنكاح 62
7 باب ما يكره أن يفعله بنفسه أو ماله 66
8 باب تعدي العامل 72
9 باب الاكراه على دفع المال وآخذه 78
10 باب من الاكراه على الاقرار 83
11 باب من الاكراه على النكاح والخلع والعتق والصلح عن دم العمد 85
12 باب الاكراه على الزنا والقطع 88
13 باب الاكراه على البيع ثم يبيعه المشتري من آخر أو يعتقه 93
14 باب الاكراه على ما يجب به عتق أو طلاق 100
15 باب الإكراه على النذر و اليمين 105
16 باب اكراه الخوارج المتأولين 108
17 باب ما يخالف المكره فيه أمر به 109
18 باب الاكراه على أن يعتق عبده عن غيره 112
19 باب الاكراه على الوديعة وغيرها 119
20 باب التلجئة 122
21 باب العهدة في الاكراه 128
22 باب ما يخطر على بال المكره من غير ما أكره عليه 129
23 باب زيادة المكره على ما أمره به 132
24 باب الخيار في الاكراه 135
25 باب الاكراه فيما يوجب لله عليه أن يؤديه اليه 144
26 باب الاكراه في الوكالة 147
27 باب ما يسع الرجل في الاكراه وما لا يسعه 151
28 باب اللعان الذي يقضى به القاضي ثم يتبين أنه باطل 155
29 كتاب الحجر 156