المبسوط - السرخسي - ج ١٦ - الصفحة ٨٧
المسلم بغير حق فجزاؤه ما قال الله تعالى فجزاؤه جهنم خالدا فيها فكذلك إذا قصد أخذ ماله بالباطل والتلبيس (قال) وينبغي للقاضي أن لا يلقن الشاهد ولكن يدعه حتى يشهد بما عنده فإن كان ت شهادته جائزة قبلها وان كانت غير جائزة ردها ولا يقول له اشهد بكذا فان هذا تلقين وهو قول أبي حنيفة رحمه الله ومحمد وقال أبو يوسف رحمه الله لا رأى بأسا أن يقول أتشهدا بكذا وكذا وإنما قال هذا حين ابتلي بالقضاء فرأى ما بالشهود من الخبر عند أداء الشهادة بالحق فان المجلس القضاء هيبة وللقاضي حشمة ومن لم يعتاد التكلم في مثل هذا المجلس يتعذر عليه البيان إذا لم يعينه القاضي على ذلك وأداء الشهادة بالحق من باب البر قال الله تعالى وتعاونوا على بالبر والتقوى وأمرنا باكرام الشهود قال صلى الله عليه وسلم أكرموا الشهود فان الله تعالى يحيى بهم الحقوق وهذا القدر من التلقين يرجع إلى اكرامه بأن يذكر ما يسمع منه فيقول أتشهد بكذا لما لم يسمع منه فهو التلقين المكروه وفي مذهبه نوع رخصة والعزيمة فيما ذهب إليه أبو حنيفة ومحمد رحمهما الله لان القاضي منهى عن اكتساب ما يجر إليه تهمة الميل وما يكون فيه إعانة أحد الخصمين إما صورة أو معنى وتلقين الشاهد لا يخلو من ذلك ورد لم يجز له أن يلقن المدعى مع أن الدعوى لا تكون ملزمة فلأن لا يجوز له أن يلقن الشاهد أولى ولان عادة بعض الناس أن المحتشم إذا لقن أحدهم شيئا ترك ما كان قصد التكلم به وتكلم بما لقنه تعظيما له فلا يأمر القاضي أن يفعل الشاهد مثل ذلك فيدع ما كان عنده من الشهادة ويتكلم بما لقنه القاضي والتلقين تعليم والقاضي إنما جلس لسماع الشهادة وفصل القضاء بالشهادة لا لتعليم الشاهد فلهذا أكره له أن يلقنه ولا يضر القاضي أن يقدم الشهود جميعا أو واحدا واحدا لان الثابت بالنص اشتراط العدد والعدالة في الشهود وبذلك يظهر جانب رجحان الصدق فالتفريق بينهم في المجلس يكون زيادة والقاضي لا يتكلف لها إلا أن يرتاب في أثرهم فعند ذلك عليه أن يحتاط لقوله صلى الله عليه وسلم دع ما يريبك إلى مالا يريبك ومن الاحتياط أن يفرق بينهما إلا أنه لا ينبغي له أن يتعنت معهم فان التعنت يخلط على الرجل عقله وإن كان صحيحا في شهادته ولان الشاهد أمين فيما يؤدى من الشهادة ولم يظهر خيانته للقاضي فلا يتعنت معهم وقد أمرنا باكرامهم إلا أنه إذا اتهمهم وفرق بينهم فلا بأس أن يسأل كل واحد منهم أين كان هذا وكيف ومتى كان فهو من باب الاحتياط ودفع الريبة لامن باب التعنت وان اختلفوا في ذلك اختلافا يفسد الشهادة أبطلها وان كأن لا يفسدها أجازها ولا يطرحها بالتهمة والظن فان الظن لا يغنى من الحق شيئا
(٨٧)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 82 83 84 85 86 87 88 89 90 91 92 ... » »»
الفهرست