المبسوط - السرخسي - ج ١٦ - الصفحة ٧٩
وسلم قال إذا نعس أحدكم في صلاته فليرقد فلا يدري لعله يريد أن يدعو فيسب نفسه ثم يقبل على القضاء وهو متفرغ له مستمع غير معجل للخصوم عن حجتهم لان الاستعجال يضر بالخصوم كما أن ترك النظر فيما يقيم من الحجة يضر به فكل واحد منهما من نوع الشر والاضرار وقد روينا ان القاضي لا يشار ولا يضار قال ولا يخوفهم فان الخوف مما يقطع حجة الرجل يعنى ان الخائف يعجز عن إظهار حجته وينبغي أن يكون القاضي مهيبا يحتشم منه ولكن لا ينبغي أن يكون مخيفا للناس يخافونه فان ذلك يمنعهم من إظهار الحق بالحجة والأصل في ذلك ما روى أن النبي صلى الله عليه وسلم صلى صلاة الفجر بمسجد الحيف فرأى رجلين لم يصليا معه فقال على بهما فأتى بهما وفرائصهما ترتعد فقال صلى الله عليه وسلم لا تخافا فإنما أنا ابن امرأة من قريش كانت تأكل القديد الحديث فان (قيل) أليس انه ذكر في سيرة عمر رضي الله عنه ان الناس كانوا يهابونه حتى قيل لابن عباس رضي الله عنهما لم لم يذكر قولك في القول لعمر فقال كان رجلا مهيبا فهبته أو قال خفت درته (قلنا) هذا لا يكاد يصح فان عمر رضي الله عنه كان ألين من غيره في قبول الحق وكان يشاورهم وربما كان يقدم قول ابن عباس رضي الله عنه ما في الاخذ عند الشورى على قول بعض الكبار من الصحابة رضوان الله عليهم ثم كون القاضي مهيبا غير مذموم عندنا وإنما المذموم أن يتكلف لتخويف الخصوم إذا تقدموا بين يديه ولم ينقل ذلك عن عمر رضي الله عنه ولا عن غيره وإن كان خير القاضي أن يقعد عنده أهل الفقه فتعدوا عنده فربما يحتاج إلى أن يستشيرهم وقد روينا ان عمر رضي الله عنه كان يفعل ذلك وربما يخفى عليه بعض ما يقف عليه غيره من أهل الفقه فينبهه عليه وربما يحتاج إلى أن يشهدهم فيكون أهل الفقه والصلاح عنده من نوع الاحتياط فان دخله حصر في قعودهم عنده أو شغله ذلك عن شئ من أمور المسلمين جلس وحده لان طباع الناس في هذا تختلف فمنهم من يمنعه حشمة الفقهاء مما يريده من فصل القضاء ومنهم من يزداد قوة على ذلك والمقصود هو النظر للمسلمين فإذا كان هو ممن يدخله حصر بحضرة الفقهاء جلس وحده ولكن إنما يتمكن من ذلك إذا كانت معروفا بالفقه والعدالة فبالفقه يؤمن غلطه وبالعدالة يؤمن جوره ولا ينبغي للقاضي ان يتعب نفسه في طول الجلوس لان بذلك يزول اعتدال الحال وقد بينا أنه لا ينظر في الحجج إلا عند اعتدال الحال قال فانى أتخوف عليه ان يضر ذلك بنظره في الحجج والخصوم يعنى إذا أتعب نفسه ربما لا يفهم بعض كلام الخصوم وربما يضجر بسببه على بعض
(٧٩)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 74 75 76 77 78 79 80 81 82 83 84 ... » »»
الفهرست