المبسوط - السرخسي - ج ١٦ - الصفحة ٧٢
فصل القضاء ويكون سببا لازدراء بعض الجهال به وعن مسروق قال لان أقضى يوما بالحق أحب إلى من أن أرابط سنة فان مسروقا ممن يقدم تقلد القضاء على الامتناع عنه وقد كان السلف رحمهم الله في ذلك مختلفين وابتلي مسروق بالقضاء ومن دخل في شئ فإنما يروي محاسن ذلك الشئ وقد بينا طريق أبي حنيفة رحمه الله في ايثار التحرز عن تقلد القضاء وإنما قال مسروق ان القضاء يوما بالحق أحب إلى من أن أرابط سنة لما في إظهار الحق من المنفعة للناس ودفع الظلم عن المظلوم واتصال الحق إلى المستحق ومنع الظالم عن الظلم واليه أشار النبي صلى الله عليه وسلم في قوله عدل ساعة خير من عبادة سنة وقال صلى الله عليه وسلم لان يقام حد في أرض خير من أن تمطر السماء فيها أربعين صباحا وعن علي رضي الله عنه قال القضاة ثلاثة فاثنان في النار وواحد في الجنة فأما اللذان في النار فرجل علم علما فقضى بخلافه ورجل جاهل يقضي بغير علم وأما الاخر أتاه الله علما فقضي به فذلك في الجنة ولا شبهة في حق من قضى بخلاف ما علم فإنه أقدم على النار عن بصيرة وكتم ما علم من الحق فكان فعله كفعل رؤساء اليهود وفيه نزل قوله تعالى عز وجل ان الذين يكتمون ما أنزلنا من البينات وقال الله تعالى وان فريقا منهم ليكتمون الحق وهم يعلمون وأما الجاهل فما كان ينبغي له أن يتقلد القضاء ويلتزم أداء هذه الأمانة لأنه لا يقدر على أدائها الا بالعلم ففي التزام مالا يقدر على القيام به ظلم نفسه وبعد التقلد لا ضرورة له إلى القضاء بغير علم لتمكنه من أن يتعلم أو يسأل العلماء ويقضى بفتواهم فلهذا جعله في النار حين قضى بغير علم والذي قضى بعلمه أظهر الحق بحكمه وأنصف المظلوم من خصمه فهو في الجنة ومثل هذا لا يعرف الا بالرأي فإنما يحمل على أن عليا رضي الله عنه كان سمعه من رسول الله صلى الله عليه وسلم ولكنهم فيما يسمعون ربما يرفعون وربما يرسلون وعن أبي مسعود رضي الله عنه قال يجاء بالقاضي يوم القيامة وملك أخذ بقفاه ثم يلتفت فإذا أقبل أدفعه دفعة في مهواة أربعين خريفا وأهل الحديث يروون هذا الحديث يجاء بالقاضي العدل يوم القيام ليعلم أن حال من يعدل إذا كان بهذه الصفة فما ظنك في حال من يجوز في قوله وملك آخذ بقفاه إشارة إلى ما يلقى من الذل يوم القيامة وإن كان عادلا في قضائه في الدنيا فإنما يفهم من الاخذ بالقفاء في عرف الناس الاستخفاف والذل وقيل في تأويله أنه وإن كان عادلا فقد نال بعض الوجاهة في الدنيا بسبب تقلد القضاء فلهذا له في الآخرة لما نال من الجاه في الدنيا بطريق هو طريق العمل للآخرة ومعناه قوله أدفعه في مهواة أربعين خريفا أي
(٧٢)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 67 68 69 70 71 72 73 74 75 76 77 ... » »»
الفهرست