المبسوط - السرخسي - ج ١٦ - الصفحة ٦٧
أحد عن مراعاة جميع الحدود في الكلام فإذا لم يعرض القاضي عن بعض ما يسمع كان ذلك منه مضارة والقاضي منهى عن ذلك وفيه دليل على أنه لا يشتغل بالبيع والشراء في مجلس القضاء لان بذلك ينقص حشمة مجلس القضاء ولأنه مجلس إظهار الحق وبيان أحكام الدين فلا ينبغي أن يخلط به شيئا من عمل الدنيا وقوله لا يرتشى المراد الرشوة في الحكم وهو حرام قال صلى الله عليه وسلم الراشي والمرتشي في النار ولما قيل لابن مسعود رضي الله عنه الرشوة في الحكم سحت قال ذلك الكفر إنما السحت ان ترشو من تحتاج إليه امام حاجتك وفي قوله ولا تقضي بين اثنين وأنت غضبان دليل على أن القاضي ينبغي أن لا يشتغل بالقضاء في حال غضبه ولكنه يصبر حتى يسكن ما به فإنه مأمور بان يقضى عند اعتدال حاله ولهذا ينهى عن القضاء إذا كان جائعا أو كظيظا من الطعام أو كان يدافع الأخبثين لأنه ينعدم به اعتدال الحال فكذلك بالغضب ينعدم اعتدال الحال وربما يجري على لسانه في غضبه مالا ينبغي أن يسمع الناس ذلك منه وربما يتغير لونه على وجه لا ينبغي أن يراه الناس على تلك الصفة أو إذا ظهر به الغضب عجز صاحب الحق عن إظهار حقه بالحجة خوفا منه ولهذا قلنا يقوم أو ينحى الناس عن قربه حتى يسكن ما به وهذا إذا كان يعتريه ذلك في بعض الأوقات فإن كان ذلك من عادته وذلك نوع من الحدة التي قال فيها رسول الله صلى الله عليه وسلم انها تعترى خيار أمتي فلا يكف عند ذلك عن القضاء لأنه يلتبس به عقله ويشتبه عليه وجه القضاء بخلاف ما يعتريه من الغضب في بعض الأوقات وعن عمر رضي الله عنه أنه دعا قاضيا كان بالشام حديث السن فقال له بم تقضى قال أقضي بما في كتاب الله تعالى قال فإذا لم تجد في كتاب الله تعالى قال أقضى بما قضي رسول الله صلى الله عليه وسلم الحديث وفيه دليل على أنه يجوز أن يقلد القضاء من هو حديث السن إذا كان عالما فقد كان عمر رضي الله عنه أكثر الناس نظرا في ذلك ثم قلده مع حداثة سنه وبعث رسول الله صلى الله عليه وسلم عتاب بن أسيد رضي الله عنه إلى مكة قاضيا وأميرا وكان حديث السن ويحكى أن المأمون قلد يحيى بن أكثر قضاء البصرة وكان ابن ثمان عشرة سنة فطعن بعض الناس في ذلك لحداثة سنه فكتب إليه المأمون كم سن القاضي فكتب في جوابه أنا على سن عتاب بن أسيد حين ولاه رسول الله صلى الله عليه وسلم وكان عمر رضي الله عنه بلغه مثل هذا الطعن في مثل هذا القاضي لحداثة سنه فامتحنه بالعلم فقال بم تقضى قال أقضى بما في كتاب الله تعالى وأصاب في ذلك لان كتاب الله تعالى امام
(٦٧)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 62 63 64 65 66 67 68 69 70 71 72 ... » »»
الفهرست