المبسوط - السرخسي - ج ١١ - الصفحة ٢٤٩
تعالى عنه فألقى لنا البحر حوتا يقال له عنبر وهو اسم للسمك وتأويل الرواية الأخرى أنه جوز لهم التناول لضرورة المجاعة أو كان ذلك قبل نزول قوله تعالى ويحرم عليهم الخبائث ثم الأصل عندنا في إباحة السمك أن ما مات منه بسبب فهو حلال كالمأخوذ منه وما مات بغير سبب فهو غير مأكول كالطافئ فان ضرب سمكة فقطع بعضها فلا بأس بأكلها لوجود السبب وكذلك أن وجد في بطنها سمكة أخرى لان ضيق المكان سبب لموتها وكذلك أن قتلها شئ من طير الماء وغيره وكذلك أن ماتت في جب لان ضيق المكان سبب لموتها وكذلك أن جمعها في حظيرة لا تستطيع الخروج منها وهو يقدر علي أخذها بغير صيد فلا خير في أكلها لأنه لم يظهر لموتها سبب وإذا مات السمك في الشبكة وهي لا تقدر علي التخلص منها أو أكل شيئا ألقاه في الماء ليأكله فمات منه وذلك معلوم فلا بأس بأكله وكذلك لو ربطها في الماء فماتت فهذا كله سبب لموتها وهو في معنى ما انحسر عنه الماء وقال عليه الصلاة والسلام ما انحسر عنه الماء فكل وكذلك لو انجمد الماء فبقيت بين الجمد فماتت فأما إذا ماتت بحر الماء أو برده ففيه روايتان فعلى احدى الروايتين تؤكل لوجود السبب لموتها وفى الرواية الأخرى لا تؤكل لأن الماء لا يقتل السمك حارا أو باردا (وروى) هشام عن محمد رحمهما الله أنه إذا انحسر الماء عن بعضه فإن كان رأسه في الماء فمات لا يؤكل وان انحسر الماء عن رأسه وبقي ذنبه في الماء فهذا سبب لموته فيؤكل. قال (وإذا أرسل بازيه المعلم على صيد ووقع على صيد ثم اتبع الصيد وأخذه وقتله فلا بأس بأكله) لان هذا مما لا يستطاع الامتناع منه ولان من عادة البازي هذا أن يقع على شئ وينظر إلى صيد ليأتيه من الجانب الذي يتمكن من أخذه فهو بمنزلة كمين الفهد فلا يحرم به صيده ولا ينقطع به فور الارسال.
قال (وإذا أصاب السهم الصيد فأثخنه حتى لا يستطيع براحا ثم رماه بسهم آخر فقتله لم يحل أكله) لان هذا قد صار أهليا فقد عجز بالفعل الأول عن الاستيحاش والطيران فذكاته بعد ذلك بالذبح في المذبح لا بالرمي بل الرمي في مثله موجب للحرمة ولما اجتمع فيه الموجب للحرمة والموجب للحل يغلب الموجب للحرمة ولان اثخانه إياه كأخذه ولهذا لو أثخنه أحدهما وأخذه الآخر فهو للأول ولو أخذه ثم رماه فقتله لم يؤكل فذلك إذا أثخنه وان رمى بالسهم الثاني غيره فقتله لم يحل أيضا لما بينا ويغرم قيمته مجروحا للأول في قول أبى يوسف ومحمد رحمهما الله وأبو حنيفة في هذا لا يخالفهما ولكن لم يحفظ جوابه فذكر قول أبى يوسف
(٢٤٩)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 244 245 246 247 248 249 250 251 252 253 254 ... » »»
الفهرست