المبسوط - السرخسي - ج ٥ - الصفحة ١٣٢
حق الاعتراض دفعا للعار عن أنفسهم والله أعلم بالصواب واليه المرجع والمآب * (باب الرضاع) * (قال) بلغنا عن رسول الله صلى الله عليه وسلم أنه قال يحرم من الرضاع ما يحرم من النسب وذكر عروة عن عائشة رضي الله عنهما هذا الحديث قال يحرم بالرضاع ما يحرم بالولادة وفيه دليل على أن الرضاع من أسباب التحريم وانه بمنزلة النسب في ثبوت الحرمة لان ثبوت الحرمة بالنسب لحقيقة البعضية أو شبهة البعضية وفي الرضاع شبهة البعضية بما يحصل باللبن الذي هو جزء الآدمية في انبات اللحم وانشاز العظم واليه أشار رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال الرضاع ما أنبت اللحم وأنشز العظم وفيه دليل على أن الحرمة بالرضاع كما تثبت من جانب الأمهات تثبت من جانب الآباء وهو الزوج الذي نزل لبنها بوطئه فان رسول الله صلى الله عليه وسلم شبهه بالنسب في التحريم والحرمة بالنسب تثبت من الجانبين فكذلك بالرضاع بخلاف ما يقوله بعض العلماء رحمهم الله تعالى ان لبن الفحل لا يحرم وهو أحد قولي الشافعي رحمه الله تعالى احتجوا بان الله تعالى ذكر حرمة الرضاع في جانب النساء فقال وأمهاتكم اللاتي أرضعنكم وأخواتكم من الرضاعة فلو كانت الحرمة تثبت من جانب الرجال لبينها الله تعالى كما بين الحرمة بالنسب ولان الحرمة في حق الرجل لا تثبت بحقيقة فعل الارضاع فإنه لو نزل اللبن في ثندؤة الرجل فأرضع به صبيا لا تثبت الحرمة فلأن لا تثبت في جانبه بارضاع زوجته أولى وحجتنا ذلك حديث عمرة عن عائشة رضي الله عنهما قالت كان رسول الله صلى الله عليه وسلم في بيتي فسمعت صوت رجل يستأذن على حفصة رضي الله عنها فقلت هذا رجل يستأذن في بيتك يا رسول الله فقال صلوات الله عليه ما أراه الا فلانا عما لحفصة من الرضاع فقلت لو كان فلان عمى من الرضاع حيا أكان يدخل على فقال نعم الرضاعة تحرم ما تحرم الولادة وفي حديث آخر عن عائشة رضي الله عنها قالت يا رسول الله ان أفلح بن أبي قعيس يدخل على وأنا في ثياب فضل فقال صلى الله عليه وسلم ليلج عليك أفلح فإنه عمك من الرضاعة فقلت إنما أرضعتني المرأة لا الرجل فقال صلوات الله عليه ليلج عليك فإنه عمك والعم من الرضاعة لا يكون الا باعتبار لبن الفحل والمعنى فيه أن سبب هذا اللبن فعل الواطئ فالحرمة التي تنبنى عليه تثبت من الجانبين كالولادة فاما ما قالوا إن الله تعالى بين حرمة
(١٣٢)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 127 128 129 130 131 132 133 134 135 136 137 ... » »»
الفهرست