مواهب الجليل - الحطاب الرعيني - ج ٦ - الصفحة ٤٨
السلطان العامل إن كان ليرد المال على أربابه فهو جائز، وإن كان ليأخذه لنفسه فإنه حرام عليه ولكنه ماض والله أعلم. قال في البيان في رسم سن سماع ابن القاسم من كتاب السلطان الذي مضى عليه عمل القضاة: إن من تصرف للسلطان في أخذ المال وإعطائه فبيعه جائز إذا أضغط فيه ولا رجوع له فيه، وإن كان ممن لا يتصرف في أخذ المال وإعطائه فلا يشتري منه إذا أضغط، فإن اشترى منه فله القيام وهو صحيح، لأنه إذا أضغط فيما خرج عليه من المال الذي تصرف فيه أو تبين أنه حصل عنده منه فلم يضغط إلا بما صار عنده من أموال المسلمين وذلك حق وبالله التوفيق اه‍. ونقله ابن عرفة وزاد الشيخ عن مطرف وابن عبد الحكم وأصبغ: والعامل يعزله الوالي على سخط أو يتقبل الكورة بمال ويأخذ أهلها بما شاء من الظلم فيعجز أو يتقبل المعدن فيعجز عما عليه فيغرمه الوالي مالا بعذاب حتى يلجئه لبيع ماله، فبيعه ماض عليه سواء أخذ الوالي ماله لنفسه أو رده على أربابه كمكره أو مضغوط في بيع لحق عليه أو دين لازم اه‍. ونقله في التوضيح أيضا وتقدم كلامه عند قول المصنف لا إن أجبر عليه جبرا حراما.
تنبيهان: الأول: تقدم أن من الجبر الشرعي جبر أهل الذمة على البيع في الجزية والخراج وشبهه. قال في الرسم المتقدم: قال ابن القاسم: قال مالك في الذي يضغط في الخراج فيبيع بعض متاعه على وجه الضغط: أرى أن يرد عليه بغير ثمن إذا كان بيعه إياه على عذاب أو ما أشبهه من الشدة ولا أرى لمشتري ذلك أن يستحله ولا يحبسه. قال ابن رشد: إنما يرد عليهم ما اشترى منهم على وجه الضغط إذا كان الذي يطلبون ويضغطون فيه ظلما وتعديا أو كانوا فقراء لا يلزمهم ما وجب عليهم حتى يوسروا فيبيع عليهم ما لا يلزمهم بيعه كثوب يستر به وشبهه، فهذا يلزم مشتريه رده. فأما إن بيع عليه شئ في حق واجب من جزيته أو من غير جزيته تحت الضغط والاكراه فلا يرد عليه وهو سائغ لمن اشتراه، وقد كان ينبغي أن يرفق بهم في تقاضي ذلك منهم وأن لا يعذبوا على ذلك، وسبيل المضغوط من المسلمين على بيع متاعه في غير حق سبيل الذمي في حق رد ماله عليه من غير ثمن بل هو في المسلم أشد لأن حرمته أعظم. قال ذلك ابن حبيب وحكاه عن مالك من رواية ابن القاسم عنه ومطرف وابن عبد الحكم وأصبغ اه‍. وقال ابن عرفة إثر كلام المتقدم: وكذا بيع أهل الذمة أو المعتوه فيما عليهم من جزية وأهل الصلح فيما صولحوا عليه اه‍. يعني أنه لازم والله أعلم.
الثاني: تقدم أيضا من الجبر الشرعي جبر من له ربع يلاصق المسجد وافتقر لتوسيع المسجد به على بيعه لتوسيع المسجد، وكذلك من له أرض تلاصق الطريق. بذلك أفتى ابن رشد واحتج على فتياه بقول سحنون يجبر ذي أرض تلاصق طريقا هدمها نهر لا ممر للناس إلا فيها على بيع طريق فيها لهم بثمن يدفعه الامام من بيت المال، وبفعل عثمان رضي الله
(٤٨)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 43 44 45 46 47 48 49 50 51 52 53 ... » »»
الفهرست