مواهب الجليل - الحطاب الرعيني - ج ٦ - الصفحة ٣٧
خليل: وما ذكره من أن المكره غير مكلف صحيح لأن أهل الأصول نصوا على أن الاكراه الملجئ يمنع التكليف، وأما السفيه فلقائل أن يقول لا نسلم أنه غير مكلف بالبيع. فإن قيل: لو كان مكلفا به لزمه البيع، قيل: يحتمل ولو قلنا: إنه مكلف بالبيع إذ لا نقول بإمضائه للحجر فتأمله اه‍.
قلت: أما كون المكره على البيع غير مكلف به شرعا فصحيح لعدم وجود الرضا المشترط في البيع، وأما ما ذكره عن الأصوليين في مسألة الاكراه الملجئ فلا دليل فيه، لأن مسألة الأصوليين التي اختلفوا فيها هي امتناع تكليف المكره عقلا وجواز ذلك عقلا، فذهب المعتزلة إلى امتناعه عقلا ورجحه ابن السبكي في جمع الجوامع، وذهب الأشاعرة إلى جواز ذلك عقلا وإليه رجع ابن السبكي آخرا. وأما الشرع فأسقط التكليف بالاكراه في كثير من المسائل منها: البيع وتوابعه ولم يسقطه في بعض المسائل، واختلف الفقهاء في إسقاطه للتكليف في بعض المسائل لمدارك مذكورة في محلها ليس هذا محل تفصيلها.
وأما السفيه فالظاهر أنه غير مكلف بالبيع أيضا لأن التكليف هو الالزام، فإذا لم يلزمه البيع فهو غير مكلف به. ويؤخذ ذلك من كلام القرافي في الفرق السادس والعشرين في الفرق بين خطاب الوضع وخطاب التكليف، لأن خطاب التكليف يشترط فيه علم المكلف وقدرته على ذلك الفعل وكونه من كسبه وخطاب الوضع لا يشترط فيه شئ من ذلك وأنه يستثنى من ذلك قاعدتان: إحداهما أسباب العقوبات كالقصاص في العقل، والثانية أسباب انتقال الملك كالبيع والهبة، فإن ذلك وإن كان من خطاب الوضع فقد اشترطوا فيه علم المكلف وقدرته على الفعل. ثم ذكر أن خطاب الوضع خطاب التكليف قد يجتمعان وقد ينفرد كل واحد منهما. وإن مما يجتمعان فيه البيع لأنه من جهة كونه يجب أو يحرم أو يندب من خطاب التكليف، ومن جهة أنه سبب لانتقال الملك من خطاب الوضع انتهى. فإذا علم ذلك فالبيع سواء كان من خطاب الوضع أو من خطاب التكليف يشترط فيه علم المكلف وقدرته، والسفيه غير عالم بمصالحه، والمكره غير قادر على أن يمتنع مما أكره عليه فقد ظهر أنهما
(٣٧)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 32 33 34 35 36 37 38 39 40 41 42 ... » »»
الفهرست