مواهب الجليل - الحطاب الرعيني - ج ٥ - الصفحة ٢٨٦
بترك قيامهم بها، وإنما وهم سحنون في تفسير قول مالك هذا - والله أعلم - لما وقع في كتاب الايمان بالطلاق من المدونة من قول يحيى بن سعيد في شهود شهدوا على رجل بعد موته أنه طلق امرأته لا تجوز شهادتهم إذ كانوا حضورا ولامرأته الميراث، وكذلك يقول يحيى بن سعيد أيضا لو ماتت هي أن له الميراث من أجل سقوط شهادة الشهود لحضورهم. فليس معنى مسألة مالك يعني المسألة المتقدمة التي فرق فيها بين أن يشهدوا بعد موته أو بعد موتها إلا إن كانوا غيبا. وكذلك وقع في رسم حمل صبيا من سماع عيسى من الايمان بالطلاق وأن الشهود كانوا غيبا لا يتهمون، فمالك أحق بتبيين ما أرادوا. ووجه تفرقته بين ميراثه منها وميراثها منه هو أنه إذا كان هو الميت فلم يعذر إليه في شهادة الشهود ولعله لو أعذر إليه فيهم لا تبطل شهادتهم، فرأى لها الميراث من أجل أن الشهادة لا يجب الحكم بها إلا بعد الاعذار إلى المشهود عليه، وإذا كانت هي الميتة أمكن أن يعذر إليه وأنه عجز عن المدفع وجب الحكم بالطلاق يوم وقع فلم يكن له ميراث منها.
وقال محمد بن المواز: إنما ورثته ولم يرثها لأنه كالمطلق في المرض لأن الطلاق وقع يوم الحكم ولو لم يقع يوم الحكم لكان فيه الحد. قال أبو إسحاق: وهو كلام فيه نظر، لأن الحاكم إنما ينفذ شهادة البينة وهي تقول إن الطلاق وقع قبل الموت، وإنما درأ الحد بالشبهة إما لنسيانه وإما لامكان أن يكون صادقا في إنكار الشهادة. ولو كان الطلاق وقع بعد الموت أورثها هو أيضا والقياس أنها لا ترثه كما لا يرثها لأن الاعذار يجب إليهما جميعا، فكما لا يرثها وإن لم يعذر إليها لا ترثه وإن لم يعذر إليه وهو قول سحنون ويحيى بن عمر، وسيأتي في رسم بع من سماع عيسى طرف من هذا المعنى وبالله التوفيق انتهى. وقال في رسم بع: ولا نقصان عليك من سماع عيسى من الكتاب المذكور. وسئل مالك عن رجل أقر عند قوم أنه بارأ امرأته ثم زعم بعد ذلك أنه كان مازحا ولم يبارئ وأنكرت هي تكون بارأته قال: إذا شهد عليه بإقراره بانت منه بواحدة ولا رجعة له عليها إلا بنكاح جديد، وإن مات في عدتها ورثته ولم يرثها.
ابن رشد: في الميراث لا يصح بوجه لأن قوله لا رجعة له عليها يدل على أن الشهادة كانت عليه في حياته، فإذا حكم عليه في حياته بأنها بائنة منه وجب أن لا يكون بينهما ميراث، ولو كانت الشهادة عليه بعد موته لوجب ما قلناه في معنى مسألة رسم طلق من سماع ابن القاسم أن ترثه ولا يرثها، مات في العدة أو بعدها، لأنه طلاق بائن. ولا وجه لقوله وإن مات في عدتها على كل حال انتهى. ونص ما في رسم حمل صبيا من سماع عيسى من كتاب الايمان بالطلاق وقال عن مالك في رجل مات عن امرأته فجاء شهود عدول لا يتهمون فشهدوا أنه قد طلقها منذ سنين أنها ترثه ولو ماتت لم يرثها. قيل له: فما الحجة في أنها ترثه؟ قال: أرأيت لو كان قائما فشهدوا عليه أترجموه؟ قلت: لا. قال: فما يدرينا ما كان يدرأ به عن نفسه قال ابن القاسم: وهو رأيي وتعتد أربعة أشهر وعشرا.
(٢٨٦)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 281 282 283 284 285 286 287 288 289 290 291 ... » »»
الفهرست