مواهب الجليل - الحطاب الرعيني - ج ٤ - الصفحة ٤٢٩
وهذا مقام لا يحققه أكثر مفتي العصر انتهى. وقال المقري في قواعده إثر نقله لهذا الكلام:
قلت: شرط التخصيص منافاة حكم الخاص للعام وإلا فهو تقييد. فإذا قال الله عز وجل:
* (حرمت عليكم الميتة والدم) * فإن قلنا: بعمومه يتناول المسفوح وغيره ولا يختص بقوله: * (دما مسفوحا) * لموافقته له خلافا لأبي ثور. وإن قلنا: بإطلاقه تقيد فمن ثم جاء القولان في تحريم الدم غير المسفوح انتهى. وقال في لباب اللباب القاعدة السابعة: الفرق بين النية المؤكدة والمخصصة، فالمؤكدة هي الموافقة لمدلول اللفظ والمخصصة منافية مثل أن يقول: والله لا لبست ثوبا ونوى كتانا. قال عز الدين بن عبد السلام رحمه الله تعالى: الفقهاء يفتون أنه لا يحنث إلا بالكتان، والصواب أن يقال: يحنث في الكتان باللفظ والنية لأن النية هنا مؤكدة ويحنث في غيره بعموم اللفظ، وإن استحضر غير الكتان في نيته ونوى إخراجه عن عموم اللفظ لم يحنث به لأن النية حينئذ مخصصة لأن من شرط المخصص أن يكون منافيا انتهى. وقال ابن عبد السلام المالكي: تقييد المطلق لا يلزم منه مخالفة الظاهر، لأن المقيد يستلزم المطلق بخلاف تخصيص العام فإنه يلزم منه مخالفة الظاهر لأن الدليل اللفظي يقتضي ثبوت الحكم لصورة أو صور والنية المخصصة تنفي ذلك الحكم عن تلك الصور انتهى. فتبين مما ذكرناه أن المنافاة إنما هي شرط في المخصصة لا في المقيدة، ومفهوم قوله: إن نافت أنها إن لم تناف تخصص وهو كذلك وهو النية المؤكدة وهو معنى قول ابن عبد السلام. ولا خفاء أن النية إن كانت موافقة لظاهر اللفظ أنها مقبولة في القضاء والفتيا انتهى. وهو معنى قول ابن عرفة والنية إن وافقت ظاهر اللفظ اعتبرت اتفاقا انتهى. وقوله: وساوت يعني إذا قلنا: من شرط النية المخصصة أن تكون منافية فمن شرطها أيضا أن تكون منافاتها وعدم منافاتها على حد السواء لأن المنافية على أربعة أوجه: الأول:
أن تخالف النية ظاهر اللفظ بأشد من مدلوله كمن حلف لا يأكل زيتا فيقول أردت سائر الادهان. الثاني: أن تخالف ظاهر اللفظ ويكون قصد مخالفتها اللفظ وقصد عدم مخالفتها له سواء، أي يمكن أن يقصد باللفظ الصادر عنه ما ادعى أنه أراده، ويمكن أن لا يقصد على حد السواء كما ذكر ابن غازي. الثالث: أن تخالف ظاهر اللفظ وتوافق الاحتمال المرجوح القريب من التساوي. الرابع: أن تخالف ظاهر اللفظ وتوافق الاحتمال المرجوح البعيد جدا. فقال المصنف: من شرط النية المخصصة أن تكون منافية كما تقدم، ومن شرطها أن تكون منافاتها وعدم منافاتها على السواء كما تقدم، فإذا كانت كذلك فتكون مخصصة وتقبل في القضاء والفتيا. وهذا يفهم من إطلاق المصنف هنا وتقييده في الوجه الثالث أعني الثاني في كلامه بقوله إلا لموافقة.
تنبيهان: الأول: قال ابن بشير: لكن يستظهر عليه بيمين أنه أراد ما ادعاه إن نواه. قال ابن عبد السلام: هو مما تتردد فيه الأشياخ وهو من أيمان التهم، والأقرب هنا توجهها احتياطا
(٤٢٩)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 424 425 426 427 428 429 430 431 432 433 434 ... » »»
الفهرست