مواهب الجليل - الحطاب الرعيني - ج ١ - الصفحة ٤٥
فيها، وما لم يتصل عمله بها فلا مانع من اتباع غيره. وكتان الشيخ عز الدين بن عبد السلام يذكر في هذه المسألة إجماعين: أحدهما إجماع الصحابة المتقدم ذكره، والثاني إجماع الأمة على أن من أسلم لا يجب عليه اتباع إمام معين بل هو مخير، فإذا قلد إماما معينا وجب أن يبقى ذلك التخيير المجمع عليه حتى يحصل دليل على رفعه لا سيما الإجماع لا يدفع إلا بما هو مثله من القوة، انتهى كلام القرافي. وقال البرزلي: وأما الانتقال من مذهب إمام إلى غيره ففي ذلك ثلاثة أقول: بالجواز والمنع والثالثة إن وقعت حادثة فقلده فيها فليس له الرجوع انتهى. " مبينا لما به الفتوى " أي موضحا لما به الفتوى أي للقول الذي يفتى به وهو صفة " مختصرا ". والفتوى بالفتح والضم والفتح لأهل المدينة قاله في المحكم وهو الجاري على القياس، والفتيا بالضم وكلها اسم لما أفتى به الفقيه، والإفتاء الإخبار عن حكم شرعي لا على وجه الإلزام، قيل: ولا حاجة إلى القيد الأخير لأنه ذكر للاحتراز عن القضاء هو لم يدخل في الحد لأنه إنشاء والذي يفتى به هو المشهور والراجح ولا تجوز الفتوى ولا الحكم بغير المشهور ولا بغير الراجح. وذكر عن المازري أنه بلغ رتبة الاجتهاد وما أفتى بغير المشهور. قال ابن فرحون في تبصرته: ولا يجوز التساهل في الفتوى ومن عرف بذلك لم يجز أن يستفتى وربما يكون التساهل بإسراعه وعدم تثبته. وقد يحمله على ذلك توهمه أن السرعة براعة والبطء عجز، ولأن يبطئ ولا يخطئ أجمل به من أن يضل و يضل، وقد يكون تساهله بأن تحمله الأغراض الفاسدة على تتبع الحيل المحذورة ترخيصا على من يريد نفعه وتغليظا على من يريد ضرره. قال ابن الصلاح: ومن فعل ذلك هان عليه دينه. قال:
وأما إذا صح قصد المفتى واحتسب في قصده حيلة ليخلص بها المستفتى من ورطة يمين فذلك حسن جميل. و ذكر البرزلي في مسائل الوصايا عن ابن علوان أنه علم بعض الخصوم حيلا غلب بها قال: ولعله ظهر له أنهم على الحق، وإلا فهذا من تلقين الخصوم وهو جرحة في حق فاعليه.
قال القرافي: وإذا كان في المسألة قولان، أحدهما فيه تشديد والآخر فيه تسهيل، فلا يفتى للعامة بالتشديد، والخواص وولاة الأمور بالتسهيل، وذلك قريب من الفسوق والخيانة ودليل على فراغ ألقاب من تعظيم الله تعالى، والحاكم كالمفتى في هذا.
فرع: قال ابن فرحون في تبصرته من المازري: الذي يفتى في هذه الأزمان أقل مراتبه في نقل المذاهب أن يكون قد استبحر في الاطلاع على روايات المذهب، وتأويل الشيوخ لها.
وتوجيههم لما وقع من الاختلاف فيها، وتشبيههم مسائل بمسائل يسبق إلى الذهن تباعد ها، وتفريقهم بين مسائل يقع في النفس تفاوتها إلى غير ذلك انتهى. وقال القرافي في الفراق الثامن والسبعين: لطالب العلم ثلاث حالات: الأولى: أن يحفظ كتابا فيه عمومات مخصصة في غيره ومطلقات مقيدة في غيره فهذا يحرم عليه أن يفتى بما فيه إلا في مسألة يقطع أنها مستوفية القيود وتكون هي الواقعة بعينها. الثانية: أن يتسع اطلاعه بحيث يطلع على تقييد المطلقات وتخصيص العمومات لكنه لم يضبط مدارك إمامه ومستنداته، فهذا يفتى بما يحفظه
(٤٥)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 40 41 42 43 44 45 46 47 48 49 50 ... » »»
الفهرست