مواهب الجليل - الحطاب الرعيني - ج ١ - الصفحة ١٩١
عامدا أنه يعيد في الوقت انتهى. وهذا الكلام جميعه للقاضي عبد الوهاب في شرح الرسالة، فأنت ترى صاحب التهذيب مع تشهير القول بالسنية قد ارتضى ما ذكره عن عبد الوهاب من إعادة العامد أبدا، وحكاية الإعادة في الوقت عن أشهب، ونحو هذا للتلمساني في شرح الجلاب. وقال سند في باب آداب الاحداث في الكلام على الاستجمار: إن حكم كل من صلى بنجاسة لسهو أو عدم ما يزيلها به أنه يعيد في الوقت، ومن صلى بها عامدا قادرا أعاد أبدا على ظاهر المذهب انتهى. فقد ظهر لك أن مؤدى القولين المشهورين في التفريع واحد، ومما يدل على ذلك أن التفاريع الآتية التي جزم بها المصنف وغيره إنما تتمشى على ذلك منها قوله: وسقوطها في صلاة مبطل كذكرها فيها.
تنبيه: هذا الذي ذكرناه من أن الخلاف إنما هو في التعبير بالسنية أو الوجوب إنما ذلك حيث أردنا بيان الراجح من المذهب، وأما إن لم نرد ذلك فلا شك في وجود القول بعدم إعادة العامد أبدا على القول بأنها سنة، كما ذكره القاضي عبد الوهاب في المعونة، والباجي في المنتقى، وعبد الحق في التهذيب، وابن رشد في رسم المكاتب من سماع يحيى. فإن قلت:
سيأتي أن في بطلان من ترك السنة عامدا قولين مشهورين، فلعل ما ذكره هؤلاء أحد القولين المشهورين ويكون القول بعدم إعادة العامد أبدا هو المشهور الثاني.
قلت: لم أر من ذكر في هذه المسألة بخصوصها ترجح القول بعدم إعادة العامد أبدا، فإنما يذكرونه على أنه قول في المذهب، والعمدة في كل مسألة على النصوص فيها لا على ما يتخرج فيها من الخلاف فتأمله. فإن قلت: لعل ثمرة الخلاف تظهر في تأثيم العامد على القول بالوجوب وعدم تأثيمه على القول بالسنية.
قلت: صرح في المعونة بأن العامد آثم وإن قلنا: إنها سنة وإنه لا يعيد أبدا، وصرح بذلك الباجي في المنتقى، وذكر في التوضيح عن المازري أنه ذكر عن القاضي عبد الوهاب الاتفاق على تأثيم من تعمد ترك الصلاة بها. وقال البساطي في المغني: نقل عن القاضي عبد الوهاب الاجماع على التأثيم. واستشكل إذ هو من خصائص الوجوب، وعندي أن التأثيم على مخالفة السنة وفي الواجب على ترك الفعل انتهى.
قلت: ولعل هذا هو الموجب لعدم ترجيح القول بعدم إعادة العامد أبدا والله تعالى أعلم.
واعلم أن الطرق اختلفت في نقل المذهب في حكم إزالة النجاسة، واقتصر المصنف على قولين مشهورين، وذكر ابن عرفة في ذلك أربع طرق: الأولى لابن القصار والرسالة والتلقين أنها واجبة بلا خلاف، وما وقع في المذهبين الخلاف في إعادة المصلي بها فعلى الخلاف في شرطيتها. الثانية للجلاب والقاضي عبد الوهاب في شرح الرسالة والبيان، والأجوبة لا خلاف أنها سنة، والخلاف في الإعادة مبني على الخلاف في الإعادة لترك السنن عمدا. الثالثة للمعونة
(١٩١)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 186 187 188 189 190 191 192 193 194 195 196 ... » »»
الفهرست