إعانة الطالبين - البكري الدمياطي - ج ٢ - الصفحة ٣٠٣
المثمنة، وسكب عليها أكوام الذهب والفضة، فتقدم إليه، وسلم عليه، وقال له: يا سيدي أنا فقير، لعل أن تقرضني درهما واحدا أشتري به فطورا لعيالي، وأدعو لك في هذا اليوم. فولى بوجهه عنه، ولم يعطه شيئا، فرجع الفقير وهو مكسور القلب، وولى ودمعه يجري على خده، فرآه جار له صيرفي - وكان يهوديا - فنزل خلف الفقير وقال له أراك تكلمت مع جاري فلان، فقال قصدته في درهم واحد لافطر به عيالي، فردني خائبا، وقلت له أدعو لك في هذا اليوم.
فقال اليهودي: وما هذا اليوم؟ فقال الفقير: هذا يوم عاشوراء - وذكر له بعض فضائله - فناوله اليهودي عشرة دراهم، وقال له: خذ هذه وأنفقها على عيالك إكراما لهذا اليوم. فمضى الفقير، وقد انشرح لذلك، ووسع على أهله النفقة، فلما كان الليل، رأى الصيرفي - المسلم - في المنام كأن القيامة قد قامت، وقد اشتد العطش والكرب، فنظر، فإذا قصر من لؤلؤة بيضاء، أبوابه من الياقوت الأحمر، فرفع رأسه وقال: يا أهل هذا القصر أسقوني شربة ماء. فنودي: هذا القصر كان قصرك بالأمس، فلما رددت ذلك الفقير مكسور القلب. محي اسمك من عليه، وكتب باسم جارك اليهودي الذي جبره وأعطاه عشرة دراهم. فأصبح الصيرفي مذعورا، يناوي على نفسه بالويل والثبور، فجاء إلى جاره اليهودي، وقال: أنت جاري، ولي عليك حق، ولي إليك حاجة. قال: وما هي؟ قال: تبيعني ثواب العشرة دراهم - التي دفعتها بالأمس للفقير - بمائة درهم. فقال: والله ولا بمائة ألف دينار، ولو طلبت أن تدخل من باب القصر الذي رأيته البارحة لما مكنتك من الدخول فيه. فقال: ومن كشف لك عن هذا السر المصون؟. قال: الذي يقول للشئ كن فيكون، وأنا أشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمدا عبده ورسوله.
(إخواني) كان هذا يهوديا، فأحسن الظن بيوم عاشوراء، وما كان يعرف فضله، فأعطاه الله ما أعطاه، ومن عليه بالاسلام، فكيف بمن يعرف فضله وثوابه، ويهمل العمل فيه؟ ولله در القائل:
يا غاديا في غفلة ورائحا * إلى متى تستحسن القبائحا؟
وكم - أخي - كم لا تخاف موقفا * يستنطق الله به الجوارحا؟
واعجبا منك وأنت مبصر * كيف تجنبت الطريق الواضحا؟
كيف تكون حين تقرأ في غد * صحيفة قد حوت الفضائحا؟
وكيف ترضى أن تكون خاسرا * يوم يفوز من يكون رابحا؟
فاعمل لميزانك خيرا فعسى * يكون في يوم الحساب راجحا؟
وصم، فهذا يوم عاشوراء الذي * ما زال بالتقوى شذاه فائحا يوم شريف، خصنا الله به * يا فوز من قدم فيه صالحا (قوله: وصوم ستة أيام من شوال) معطوف على صوم يوم عرفة. أي ويسن متأكدا صوم ستة أيام من شهر شوال.
وكان المناسب للشارح أن يقدر لفظ صوم في جميع المعطوفات، أو يتركه في الجميع. (قوله: لما في الخبر الصحيح) لفظه: من صام رمضان ثم أتبعه ستا من شوال، كان كصيام الدهر. (قوله: إن صومها مع صوم رمضان) أي دائما، فلا تكون المرة من صيام رمضان وستة من شوال كصيام الدهر، بدليل رواية: صيام رمضان بعشرة أشهر، وصيام ستة أيام - أي من شوال - بشهرين. فذلك صيام السنة. فالحاصل أن كل مرة بسنة. اه‍. سم بزيادة. وفي البجيرمي: وهذا يقتضي أن المراد بالدهر: العمر، وبه قال ع ش، لكن كلام الشارح الآتي يدل على أن المراد به السنة. اه‍. (قوله:
كصيام الدهر) أي فرضا، وإلا لم يكن لخصوصية ست شوال معنى، إذ من صام مع رمضان ستة غيرها يحصل له ثواب الدهر، لان الحسنة بعشرة أمثالها.
(والحاصل) أن من صامها مع رمضان كل سنة، تكن كصيام الدهر فرضا بلا مضاعفة، ومن صام ستة غيرها كذلك، تكون كصيامه نفلا بلا مضاعفة، كما أن صوم ثلاثة من كل شهر تحصله. اه‍. تحفة بتصرف.
(٣٠٣)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 298 299 300 301 302 303 304 305 306 307 308 ... » »»
الفهرست