إعانة الطالبين - البكري الدمياطي - ج ٢ - الصفحة ٢٣٨
سبحانه وتعالى؟ وما أطفأته صدقة السر إلا لعظمها عند الله سبحانه وتعالى. نعم، إن أظهرها المقتدى به ليقتدى به ولم يقصد نحو رياء ولا تأذى به الآخذ، كان أفضل. وجعل بعضهم من الصدقة الخفية: أن يبيع مثلا ما يساوي درهمين بدرهم. (تنبيه) ليس المراد بالسر ما قابل الجهر فقط، بل المراد أن لا يعلم غيره بأن هذا المدفوع صدقة، حتى لو دفع شخص دينارا مثلا وأفهم من حضره أنه عن قرض عليه أو عن ثمن مبيع مثلا، كان من قبيل دفع الصدقة سرا. لا يقال هذا ربما امتنع، لما فيه من الكذب، لأنا نقول: هذا فيه مصلحة، وهي البعد عن الرياء أو نحوه، والكذب قد يطلب لحاجة أو مصلحة، بل قد يجب لضرورة اقتضته. أفاده زي. (قوله: أما الزكاة) مقابل قوله وإعطاؤها: أي الصدقة المتطوع بها.
(وقوله: فإظهارها أفضل إجماعا) أي للامام مطلقا، وكذا للمالك في الأموال الظاهرة - كالنعم والنابت والمعدن - أما الباطنة - كالنقدين - فالاخفاء فيها أفضل. وعبارة الروض وشرحه: ويستحب للمالك إظهار إخراج الزكاة - كالصلاة المفروضة - وليراه غيره فيعمل عمله، ولئلا يساء الظن به. وخصه الماوردي بالأموال الظاهرة، قال: أما الباطنة فالاخفاء فيها أولى لآية * (إن تبدوا الصدقات) * وأما الامام، فالاظهار له أفضل، مطلقا. اه‍. (قوله: وإعطاؤها برمضان إلخ) أي لخبر الصحيحين أنه (ص): كان أجود ما يكون في رمضان، ولخبر أبي داود: أي الصدقة أفضل؟ قال: في رمضان.
ولأنه أفضل الشهور، ولان الناس فيه مشغولون بالطاعات، ولا يتفرغون لمكاسبهم، فتكون الحاجة فيه أشد. (وقوله:
لا سيما في عشره الأواخر) أي خصوصا الصدقة في عشره الأخير فإنها فيه آكد من أوله أو وسطه، لان فيه ليلة القدر، فهو أفضل مما عداه. (قوله: ويتأكد) أي إعطاء الصدقة. (وقوله: أيضا) أي كتأكده في رمضان. (وقوله: في سائر الأزمنة والأمكنة الفاضلة) قال ابن حجر: وليس المراد أن من أراد التصدق في المفضول يسن تأخيره إلى الفاضل، بل إنه إذا كان في الفاضل تتأكد له الصدقة وكثرتها فيه اغتناما لعظيم ثوابه. اه‍. وتتأكد أيضا عند المهمات من الأمور - كغزو وحج - لأنها أرجى لقضائها، ولآية * (إذا ناجيتم الرسول فقدموا بين يدي نجواكم صدقة) * (1) وعند المرض، والكسوف والسفر. (قوله: كعشر ذي الحجة إلخ) تمثيل للأزمنة الفاضلة. (وقوله: وكمكة والمدينة) تمثيل للأمكنة الفاضلة.
(وإعطاؤها لقريب إلخ) أي لأنه أولى به من غيره، والثواب في الصدقة عليه أعظم وأكثر. قال النبي (ص): الصدقة على الأقارب صدقة وصلة. وقال عليه الصلاة والسلام: المتعدي في الصدقة كمانعها. ومن التعدي أن تعطي صدقاتك للأجانب والأباعد وأنت تعلم أن أقاربك وجيرانك أحوج إليها. وأخرج الطبراني: يا أمة محمد والذي بعثني بالحق، لا يقبل الله صدقة من رجل وله قرابة محتاجون إلى صلته ويصرفها إلى غيرهم. والذي نفسي بيده، لا ينظر الله إليه يوم القيامة. وهو أيضا: ما من ذي رحم يأتي ذا رحمة فيسأله فضلا أعطاه الله إياه فيبخل عليه، إلا أخرج الله له من جهنم حية يقال لها شجاع يتلمظ فيطوق به. والتلمظ: تطعم ما يبقى في الفم من آثار الطعام. وفي الصحيحين: أن امرأتين أتتا رسول الله (ص) فقالتا لبلال: سل لنا رسول الله (ص)، هل يجزئ أن نتصدق على أزواجنا ويتامى في حجورنا؟ فقال:
نعم، لهما أجران: أجر القرابة، وأجر الصدقة. (قوله: لا تلزمه نفقته أولى) صنيعه يقتضي أن جملة لا تلزمه نفقته صفة لقريب، وأن لفظ أولى خبر إعطاؤها، وفيه شيئان: الأول أن المصرح به في التحفة والنهاية وغيرهما عدم تقييد القريب بعدم لزوم نفقته، الثاني: أنه يصير قوله الآتي أفضل ضائعا. فلعل في العبارة تحريفا من النساخ، وأن الأصل تلزمه نفقته أو لا، أي أو لا تلزمه ويكون قوله الآتي أفضل خبرا عن وإعطاؤها. ثم وجدته في بعض نسخ الخط الصحيحة، فهو المتعين. فتنبه. (قوله: ثم الزوج أو الزوجة) أي لخبر الصحيحين السابق في الزوج، وتقاس الزوجة به. (قوله: ثم غير المحرم) أي ثم بعد الأقرب فالأقرب من ذي الرحم: المحرم. وبعد الزوج والزوجة: غير المحرم من الأقارب، كأولاد

(٢٣٨)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 233 234 235 236 237 238 239 240 241 242 243 ... » »»
الفهرست