الجهة الثالثة:
في أن الزكاة تكون تحت اختيار الإمام:
اعلم أن الزكاة على ما يظهر من بيان مصرفها في الكتاب العزيز لم تكن تختص بالفقراء والمساكين فقط ولم تكن تحت اختيار الأشخاص يضعونها حيث شاؤوا، بل شرعت لسد جميع الخلات التي تحدث في المجتمع، وبقرينة ذكر العاملين عليها المؤلفة قلوبهم في عداد مصارفها يظهر أنها ميزانية إسلامية تقع تحت اختيار الحكومة الإسلامية، ويكون الحاكم هو الذي يتصدى لأخذها وصرفها في مصارفها.
ويشهد لذلك أيضا قوله - تعالى -: " خذ من أموالهم صدقة " (1)، حيث إن النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) بما أنه كان حاكما على المسلمين أمر بأخذها، وهكذا كان عمله وعليه استقرت سيرته وسيرة الخلفاء من بعده فكانوا يبعثون العمال والجباة ويطالبونها. الأخبار الدالة على هذه المعنى في غاية الكثرة:
1 - ففي صحيحة زرارة ومحمد بن مسلم أنهما قالا لأبي عبد الله (عليه السلام): أرأيت قول الله - تبارك وتعالى -: " إنما الصدقات للفقراء والمساكين والعاملين عليها والمؤلفة قلوبهم وفي الرقاب والغارمين وفي سبيل الله وابن السبيل فريضة من الله " (2) أكل هؤلاء يعطى وإن كان لا يعرف؟ فقال (عليه السلام): " إن الإمام يعطي هؤلاء جميعا لأنهم يقرون له بالطاعة. " قال زرارة: قلت: فإن كانوا لا يعرفون؟ فقال: " يا زرارة، لو كان يعطى من يعرف دون من لا يعرف لم يوجد لها موضع، وإنما يعطى من لا يعرف ليرغب في الدين فيثبت عليه. فأما اليوم فلا تعطها أنت