تعاليق مبسوطة - الشيخ محمد إسحاق الفياض - ج ٢ - الصفحة ١٧٧
[812] مسألة 3: صاحبة العادة إذا لم تر في العادة أصلا ورأت بعدها وتجاوز العشرة لا نفاس لها على الأقوى (1)، وإن كان الأحوط الجمع إلى العشرة بل إلى الثمانية عشر مع الاستمرار إليها، وإن رأت بعض العادة (2) ولم تر البعض من الطرف الأول وتجاوز العشرة أتمها بما بعدها إلى العشرة دون ما بعدها، فلو كان عادتها سبعة ولم تر إلى اليوم الثامن فلا نفاس لها، وإن لم تر اليوم الأول جعلت الثامن أيضا نفاسا، وإن لم تر اليوم الثاني أيضا فنفاسها إلى التاسع، وإن لم تر الرابع أو الخامس أو السادس فنفاسها إلى العشرة، ولا تأخذ التتمة من الحادي عشر فصاعدا، لكن الأحوط الجمع فيما بعد العادة إلى العشرة بل إلى الثمانية عشر مع الاستمرار إليها (3).
[813] مسألة 4: اعتبر مشهور العلماء فصل أقل الطهر بين الحيض المتقدم والنفاس، وكذا بين النفاس والحيض المتأخر، فلا يحكم بحيضية الدم السابق على الولادة وإن كان بصفة الحيض أو في أيام العادة إذا لم يفصل بينه وبين النفاس عشرة أيام وكذا في الدم المتأخر، والأقوى عدم اعتباره في الحيض المتقدم كما مر نعم لا يبعد ذلك في الحيض المتأخر (4) لكن الأحوط
____________________
(1) تقدم أن رؤية الدم قد تتأخر عن تاريخ الولادة ويحسب العشرة من مبدأ رؤية الدم لا من الولادة، فإذا رأت دما بين مبدأ الولادة وبين اليوم العاشر فهو نفاس، وإن كانت الرؤية في اليوم التاسع فإن ذلك اليوم هو اليوم الأول من الأيام العشرة التي هي الحد الأقصى للنفاس، فإن استمر ذلك الدم إلى أن يتجاوز العشرة فقد مر حكمه بالنسبة إلى ذات العادة وغيرها، وكذا إذا لم يتجاوز، وبذلك يظهر حال بقية ما ذكره في هذه المسألة. نعم يحسب العشرة من تاريخ الولادة الحد الأقصى للدم الذي يمكن أن يكون فيه دم نفاس.
(2) هذا هو الفرع الثاني الذي ذكره الماتن قدس سره وقد ظهر حاله مما تقدم.
(3) في القوة إشكال بل منع، لما مر من ان المستفاد من مجموعة من روايات الباب بمناسبة الحكم والموضوع ان مبدأ النفاس من تاريخ رؤية الدم، ومقتضى إطلاقها ان اقتضاه عشرة أيام، كما ان مقتضى سياقها العرفي ان أقصى زمن يمكن أن يكون الدم فيه دم نفاس هو العشرة من تاريخ الولادة.
وفي وضوء ذلك إذا لم تر المرأة من تاريخ ولادتها دما إلى اليوم الثامن، ورأت من اليوم التاسع كان ذلك نفاسا بمقتضى قاعدة الامكان، وهذه القاعدة وإن لم تثبت في باب الحيض لما ذكرناه هناك من أن المرأة لدى توفر الشروط العامة للحيض فيها إذا شكت في دم أنه حيض تلجأ إلى إحدى القاعدتين، الأولى قاعدة العادة، والثانية قاعدة الصفات دون قاعدة الامكان إذ لا دليل عليها في مقابلهما.
وأما في هذا الباب، فبما أنه لا معيار للصفات فيه، ولا دليل على أنها ترجع في مقام الشك إليها فتلجأ إلى هذه القاعدة تطبيقا لما تقدم.
ثم ان مبدأ النفاس والعادة لما كان من اليوم التاسع في المثال، فإذا استمر بها الدم إلى أن تجاوز العشرة، فإن كانت ذات عبادة عددية جعلت عادتها نفاسا والزائد استحاضة، وإن كان ناسية أخذت بأكبر الاحتمالات للاستصحاب، والا جعلت العشرة كلها نفاسا، أي من اليوم التاسع إلى اليوم الثامن عشر، وما بعدها استحاضة.
ومن هنا يظهر أنه لا فرق بين أن ترى الدم بعد سبعة أيام من تاريخ ولادتها وهي مقدار عادتها المفروضة في المسألة، أو تراه قبلها، على أساس أن مبدأ عادتها يحسب من تاريخ رؤية الدم شريطة أن تكون في ضمن العشرة من تاريخ الولادة، سواء أكانت في أولها أم آخرها أم وسطها.
وأما بناءا على ما قواه الماتن قدس سره من أن مبدأ النفاس أي العشرة من تاريخ الولادة فأيضا لا يتم لأن المرأة إذا ولدت ولم تر الدم في تمام أيام عادتها كسبعة أيام مثلا، ثم رأت دما وتجاوز عن العشرة فهي وإن لم تكن مشمولة للروايات التي تنص على أنها تجلس أيام وعادتها لفرض أنها لم تر الدم في تلك الأيام حتى يجب عليها الجلوس فيها وترك العبادات، الا أن الحكم بأن ما رأته من الدم ليس بنفاس لا دليل عليه. فإن ما يمكن أن يتوهم شموله للمقام هو إطلاق ما دل على أن ذات العادة إذا تجاوز دمها العشرة جعلت الزائد على العادة استحاضة، بدعوى أن اطلاقه غير قاصر عن شمول هذه الصورة.
ولكن لا أساس لهذا التوهم أصلا، لأن مورده ما إذا رأت ذات العادة دما في أيام عادتها واستمر بها بعد العادة إلى أن تجاوز العشرة فإنها جعلت عادتها حيضا إذا كانت في باب الحيض ونفاسا إذا كانت في باب النفاس، والزائد استحاضة. وأما إذا لم تر الدم في أيام عادتها وبعد الانتهاء منها رأت دما وتجاوز عن العشرة فهي غير مشمولة لاطلاقه وخارجة عن موضوعة نهائيا، وحينئذ فإن كانت في باب الحيض تلجأ إلى الصفات، فإن كان بصفة الحيض اعتبرته حيضا، والا اعتبرته استحاضة، وإن كانت في باب النفاس تلجأ إلى قاعدة الامكان وتجعله نفاسا إلى العشرة من تاريخ الولادة، ومن هنا يظهر أن ما ذكره الماتن قدس سره في الفرع الثاني من أنها إذا رأت دما في بعض أيام العادة تكمل بما بعدها شريطة أن لا يكون العدد المكمل فوق العشرة، لا يمكن اتمامه بدليل، بل مقتضي إطلاق ما دل على ان ذات العادة إذا تجاوز دمها العشرة اعتبرت عادتها نفاسا دون الباقي، أن الزائد على العادة استحاضة إذا كان ما رأته من أيام العادة بمقدار معتد به كثلاثة أيام أو أكثر فإنه حينئذ لا يبعد كون هذه الصورة مشمولة لاطلاقه، وأما إذا رأت من العادة يوما واحدا واستمر بها الدم إلى أن تجاوز العشرة فالظاهر أنها غير مشمولة له، وعليه فلا دليل على أن الدم الزائد على العادة ليس بنفاس في هذه الصورة، وحينئذ فتلجأ إلى قاعدة الامكان ومقتضاها إنه نفاس إلى العشرة.
فالنتيجة: انه على مسلكه قدس سره لا دليل على التكميل، فإن الدم الزائد على العادة أما إن كله نفاس بمقتضى قاعدة الامكان، أو أن كله ليس بنفاس بمقتضى الإطلاق.
وأما على ما بنينا عليه من أن مبدأ النفاس من تاريخ رؤية الدم فمتى ما رأت الدم يحسب مبدأ النفاس من ذلك التاريخ شريطة أن تكون الرؤية في ضمن العشرة من تاريخ الولادة، فما ذكره قدس سره من الفرق بين الفرعين والحكم بأن الدم المرئي بعد العادة في الفرع الأول ليس بنفاس، وفي الثاني نفاس كلا أو بعضا لا يبتني على دليل صالح لتبرير الفرق بينهما.
(1) هذا هو الفرع الثاني الذي ذكره الماتن قدس سره وقد ظهر حاله مما تقدم.
(2) هذا هو الصحيح، وإن كان المشهور اعتباره، وقد استدل على المشهور بوجهين..
أحدهما: دعوى أن النفاس حيض محتبس، ويترتب عليه تمام أحكام الحيض التي منها كون المرأة قد مرت بها قبل ذلك فترة طهر وسلامة من دم الحيض لا تقل عن عشرة أيام.
والجواب.. أولا: أن هذه الجملة: " إن النفاس دم محتبس " لم ترد في شيء من الروايات لا لفظا ولا معنى، بل صحيحة سليمان بن خالد قال: " قلت لأبي عبد الله عليه السلام: جعلت فداك الحبلى ربما طمثت، قال: نعم وذلك أن الولد في بطن أمه غذاؤه الدم، فربما كثر ففضل عنه، فإذا فضل دفقته، فإذا دفقته حرمت عليها الصلاة " تدل على خلافها.
وثانيا: أنه لا دليل على أن حكم الحيض المحتبس حكم الحيض غير المحتبس مطلقا الا فيما قام دليل على الخلاف، بل الأمر بالعكس وان اشتراكهما في الحكم بحاجة إلى دليل.
والآخر: موثقة عمار بن موسى عن أبي عبد الله عليه السلام: " في المرأة يصيبها الطلق أياما أو يوما أو يومين فترى الصفرة أو دما، قال: تصلى ما لم تلد.. الحديث " بتقريب أنها تدل على أن المرأة إذا رأت دما قبل الولادة فهو ليس بحيض وإن كان بلون الحيض.
والجواب.. أولا: أن من المحتمل أن يكون المراد من الصفرة الماء الأصفر بقرينة جعلها في مقابل الدم، وإلا لكان المناسب أن يجعلها في مقابل الحمرة أو السواد، فإذن لو لم تكن الموثقة ظاهرة في الاحتمال الأول لم تكن ظاهرة في الاحتمال الثاني، فتكون مجملة، فلا يمكن الاستدلال بها.
وثانيا: على تقدير تسليم ظهورها في الاحتمال الثاني، الا أنها لا تدل على اعتبار الفصل بأقل الطهر بين النفاس والحيض المتقدم، وإنما تدل على أن الدم الخارج من المرأة في أيام الطلق ليس بحيض، وأما بالنسبة إلى الدم الخارج منها قبل هذه الأيام فهي ساكتة عنه فترجع فيه إلى قاعدة العادة أو الصفات، فإن كان في وقت العادة فهو حيض وإن كان صفرة، وإن لم يكن في وقتها فإن كان واجدا للصفة فكذلك، والا فهو استحاضة.
(4) في إطلاقه إشكال، والأظهر هو التفصيل بين ما إذا رأت المرأة دما بعد نفاسها بفترة تقل عن عشرة أيام في موعد عادتها، وما إذا رأت دما كذلك واجدا للصفات، فعلى الأول تعتبر نفسها حائضا، وعلى الثاني تحتاط بالجمع بين الاجتناب عما تتركه الحائض والاتيان بما يطلب من المستحاضة، ولكن المعروف بين الأصحاب اعتبار الفصل بينهما بأقل الطهر مطلقا، فإذا رأت دما بعد نفاسها بفترة تقل عن العشرة فهو ليس بحيض وإن كان في موعدها أو واجدا للصفة، وقد استدل على ذلك بأمرين:
أحدهما: بصحيحة عبد الله بن المغيرة عن أبي الحسن الأول عليه السلام: " في امرأة نفست فتركت الصلاة ثلاثين يوما، ثم طهرت، ثم رأت الدم بعد ذلك، قال: تدع الصلاة لأن أيامها أيام الطهر قد جازت مع أيام النفاس " بتقريب أن التعليل فيها يدل على اعتبار الفصل بينهما بأقل الطهر.
ولكن يمكن المناقشة فيها بأن الصحيحة ظاهرة في أن نفاسها استمر إلى ثلاثين يوما ثم طهرت، وقد تقدم أنها معارضة من هذه الناحية بالروايات التي تنص على أن أقصى النفاس هو أقصى الحيض لا أكثر، وتسقط حينئذ من جهة المعارضة، وعلى هذا فلا يعتبر في كون دمها حيضا أن يكون بعد ثلاثين يوما من الدم فضلا عن مرور فترة طهر بعده لا تقل عن عشرة أيام، بل لو لم تطهر ولم ينقطع الدم عنها بعد الثلاثين وبقى مستمرا فإنه حيض إذا كان في وقت العادة أو واجدا للصفة، بل
(١٧٧)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 168 169 170 175 176 177 178 179 180 181 182 ... » »»
الفهرست
الرقم العنوان الصفحة
1 الأغسال 7
2 غسل الجنابة 9
3 ما يتوقف على غسل الجنابة 16
4 ما يحرم على الجنب 17
5 ما يكره على الجنب 25
6 كيفية الغسل واحكامه 26
7 مستحبات غسل الجنابة 40
8 الحيض 50
9 أقل الطهر عشرة أيام 54
10 الأحوط مراعاة الاحتياط في الطهر بين أيام الحيض الواحد 61
11 قد تحصل العادة بالتمييز 70
12 في الحكم ترتب العبادة مجرد روية الدم بصفة أحيض اشكال 78
13 إذا تعارض الوقت والعدد في ذات العادة يقدم الوقت 92
14 حكم تجاوز الدم عن العشرة 111
15 احكام الحائض الاستحاضة 146
16 النفاس 169
17 غسل مس الميت 181
18 احكام الأموات 187
19 ما يتعلق بالمحتضر مما هو وظيفة الغير 191
20 وجوب تجهيز الميت كفائي 195
21 مراتب الأولياء 197
22 تغسيل الميت 200
23 اعتبار المماثلة بين الغسل والميت 201
24 موارد سقوط غسل الميت 205
25 كيفية غسل الميت 210
26 تكفين الميت 222
27 الحنوط 235
28 الصلاة على الميت 241
29 كيفية الصلاة على الميت 247
30 شرائط صلاة الميت 252
31 آداب الصلاة على الميت 262
32 الدفن 265
33 مكروهات الدفن 278
34 الأغسال المندوبة 288
35 الأغسال المكانية 297
36 الأغسال الفعلية 298
37 التيمم 305
38 بيان ما يصح التيمم به 328
39 شرائط التيمم 332
40 كيفية التيمم 337
41 أحكام التيمم 346