المقام من باب تزاحم المستحبين، فيكون كسائر المستحبات، فإن في كل آن يبتلي الانسان بذلك كثيرا، فالآن يستحب لنا زيارة أمير المؤمنين (عليه السلام) وقضاء حوائج المؤمنين واتيان النوافل وهكذا، مع أنا لا نقدر على جميعها، فله أن يترك جميعها، وهكذا المقام، وليس من مقام التعارض هنا شئ.
ولكن ليس لمن كان كل من الكسبين مستحبا الوقوع في الحرج من جهة عدم القدرة على الامتثال حتى يتعين في حقه أحدهما، فإن هذا مختص بالحكمين الالزاميين، وأما المستحبات فيجوز ترك جميعها أجمع أو اتيان أحدهما على حسب اختياره.
ولكن يقع الكلام هنا في ترجيح أحدهما على الآخر، فهذا يختلف، فإن كان ما يترتب على تحصيله من الفوائد، من ترويج الدين واحياء شريعة سيد المرسلين (صلى الله عليه وآله) و ارشاد العوام وهدايتهم إلى الدين أهم من الفوائد المترتبة على الكسب، فيرجح طلب العلم على طلب الكسب، كما إذا لم يترتب على كسبه إلا إعانة فقير واحد أو توسعة عياله فقط أو زيارة أحد الأئمة (عليهم السلام).
وإن كان ما يترتب على كسبه أهم مما يترتب على طلب العلم فالأمر بالعكس، كما إذا كان المترتب عليه تعمير المدارس والمساجد والمشاهد واتمامه الحوزة العلمية، وتأمين معاش أهل العلم وقواد الدين، ودفع الكرب عن فقراء الاسلام، ولكن لا يترتب على طلبة العلم إلا تعليم جاهل واحد مسألة واحدة، بحيث لو لم يتعلمه ليتعلم من غيره.
ومع عدم وجود المرجح في البين يتخير في اختيار أيهما شاء، بل له ذلك مع وجود المرجح لأحدهما أيضا، فإن الفرض أن كليهما مستحب كما لا يخفى، غاية الأمر مع ترك الأهم وأخذ المهم لزم ترك الأولى.