المتوجه إلى الغاصب الأول تكليفي محض متعلق بأداء ما أخذه بالمثل أو القيمة، والتكليف المتوجه إلى الغاصب الثاني - الثاني هنا كالمعقول الثاني وإن تعددوا - تكليف وضعي، مضافا إلى التكليفي لكون المال تالفا عنده، وبضميمة أن الغاصب الأول بأداء عوض التالف يكون مالكا له بالمعاوضة القهرية وإن كان معدوما كملك المعدوم في المعاملة الخيارية، فإن ذي الخيار بفسخه المعاملة يكون مالكا للمثمن مع التلف لو كان الخيار من الخيارات التي لا تسقط بالتلف، وفي المقام أيضا يكون كذلك، وعلى هذا فإن رجع المالك إلى الثاني فيسقط عن الأول ذلك الحكم التكليفي، وإن رجع إلى الأول فباعطاء البدل من المثل أو القيمة يسقط عنه الحكم التكليفي فيرجع في المال البدل إلى الثاني، فإنه هو الذي اشتغل ذمته بالبدل لتوجه التكليف الدعي عليه.
وأورد الشيخ (رحمه الله) على كلتا جملتيه: أما الجملة الأولى فبوجوه ثلاثة:
ألف - إنه راجع بمقام الثبوت ومبني على ما أسسه في باب الاستصحاب، من أن الأحكام الوضعية منتزعة من الأحكام التكليفية، وحاصل ذلك أن الحكم الوضعي هنا منتزع من الحكم التكليفي، ففي أي مورد حكم تكليفي متوجه على المكلف بأداء العين أو المثل أو القيمة ففي ذلك المورد أيضا حكم وضعي وإلا فلا.
وقد قلنا في محله إنه لا معنى لانتزاع الأحكام الوضعية من الأحكام التكليفية، والظاهر أنه مما لا خلاف بين الفقهاء أن من يجب عليه الانفاق على من يجب انفاقه عليه من الأب والأم والأولاد والزوجة أنه لو خالف ولم ينفقهم أنه لا يضمن بالأولاد والأب والأم ولكن يضمن بالزوجة، مع أن الحكم التكليفي موجود في جميعهم، فأي فرق بينهم، هذا ما يرجع إلى مقام الثبوت والآخر أن يرجعان إلى مقام الاثبات.