أما الأول، فكالمحكي عن الغنية والسرائر، والشرايع والقواعد، واللمعة وشرحها، وجامع المقاصد وغيرها من الكتب (1)، فإن مفروض الكلام فيها إنما هو اشتراط جواز الحلف الكاذب بعدم التمكن من التورية، وأما جواز مطلق الكذب فهو خارج عن مورد كلامهم، فإنهم قالوا في مسألة جواز الحلف لدفع الظالم عن الوديعة: أنه يجوز الحلف كاذبا إذا لم يحسن التورية وإلا فيوري بما يخرجه عن الكذب.
وأما الثاني، فكالمحكي عن المقنعة (2) حيث قال: من كانت عنده أمانة فطالبها ظالم فليجحد، وإن استحلفه ظالم على ذلك فليحلف ويوري في نفسه بما يخرجه عن الكذب - إلى أن قال: - فإن لم يحسن التورية وكانت نيته حفظ الأمانة أجزأته النية، وكان مأجورا.
أما أن هذه العبارة ظاهرة في خلاف مقصود المصنف، فلأن المذكور فيها أمران: الأول: إذا طلب الظالم الوديعة من الودعي جاز له انكارها مطلقا، سواء تمكن من التورية أم لا، الثاني: إذا استحلف الظالم الودعي على انكار الوديعة جاز له الحلف مع عدم التمكن من التورية، ولو كان نظر صاحب المقنعة إلى اعتبار التمكن من التورية في جواز مطلق الكذب لم يفصل بين الحلف وغيره.
وعلى الاجمال فلا دلالة في شئ من هذه العبارات المنقولة عن الأصحاب على مقصود المصنف.
ثم إن المصنف وجه ما نسبه إلى المشهور بوجهين، وسنتعرض لهما فيما بعد، إن شاء الله.