ديوان السيد حيدر الحلي - السيد حيدر الحلي - ج ٢ - الصفحة ١٠٣
الفصل الثاني في الرثاء 15 - قال رحمه الله وقد التمسه السيد ميرزا صالح القزويني أن يعمل مقدمة لكتاب (الأشجان في مراثي خير إنسان):
قامت على الدنيا نواعيها * إذ نعيت نفس العلى فيها والأرض قد مادت بمن فوقها * واهتز قاصيها ودانيها زلزلها فقدان من لم تنب * عن حمله فيها رواسيها واستغرق الأقطار منها البكا * وأظلمت حزنا نواحيها إلى الورى أنعى حياة الورى * فلتبك ما درت مآقيها بلى ومن تركها غرقى بالمدامع، لا ترقى غروبها ما ناحت على فروعها السواجع، فلقد طرقها بغتة طارق القدر، فنزل العمى من عيونها منزل البصر، بساعة كأنما وردت بزلزلة الساعة وأهوال يوم الوعيد، فغادرت الناس سكارى وما هم بسكارى ولكن ألم المصاب شديد، قد أقبل فيها على المجد، ثم وقف واستوجد، واستعظم حالها وأنشد:
ما للورى دهشت أقام المحشر * أم قد دهى الثقلين خطب أكبر؟
أجل أيها المستفظع لهذا الحال، المتمثل بهذا المقال، اقترب للناس حسابهم قبل يوم القيامة، فأدمت أكفهم الأنياب قبل يوم الحسرة والندامة، وعطوا الأكباد، قبل الجيوب والابراد، ونضحوا القلوب، قبل الأجفان والغروب، ومثلوا متماسكين من الوجوم، متهافتين على جمرة الأحزان وجذوة الهموم:
فمن واقف في جفنه الدمع واقف * ومن سائل في خده الدمع سائل لغداة بكر فيها بنفوس جائشة، وعقول من الدهشة طائشة، بين ذاهب ولا يفطن أين يتوجه، وآت لا يأتي بشئ سوى أن يتزفر أو يتأوه، وحران لا حيلة له غير عض اليدين، وحيران لا يملك إلا استدارة العينين، فإذا سأل سائل، أو قال لمن بجنبه قائل: هل أتاك حديث الغاشية، ولمن قامت رنة تلك الواعية، وأولئك عم يتساءلون، وعلى من عدت العاديات، وماذا نزعت النازعات، عبس وتولى، ثم التفت إليه وقال: افض غروب (884) عينيك سجلا فسجلا، فلقد دك طود الحلم، وهوى نجم الهداية والعلم، ونزع من كف المعروف بنانها، واستل من عين العلياء إنسانها، وذوت من المكارم رياضها الخضر، وتسلبت شجرات المعروف من ورقها النضر، ونقل إلى الأجداث قبلة الشكر والحمد، ومصلى العفاة والوفد، وحمل (ابن جلا) إلى عرصة البلى:
ولفقده هذي النوائح جاوبت * فوق السماء نوائح الأملاك ملك على الأفلاك علياه سمت * فالسمك منها ثامن الأفلاك

884 وفي المطبوع: دموع.
(١٠٣)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 98 99 100 101 102 103 104 105 106 107 108 ... » »»