معالم الفتن - سعيد أيوب - ج ٢ - الصفحة ٨٢
معاوية قد مات. فقال أمير المؤمنين: قد أكثرتم من نعي معاوية، والله ما مات، ولا يموت حتى يملك ما تحت قدمي. وإنما أراد ابن آكلة الأكباد أن يعلم ذلك مني، فبعث من يشيع ذلك فيكم، ليعلم ويتيقن ما عندي فيه، وما يكون من أمره في المستقبل من الزمان. ثم ذكر أمير المؤمنين ما يكون من أمر معاوية وذكر الحجاج وما يسومهم من العذاب. فارتفع الضجيج. فقال رجل: إن ذلك كائن؟
قال الإمام: والله إن ذلك لكائن. فقال آخر: متى يكون؟ قال: إذا خضبت هذه من هذه - ووضع إحدى يديه على لحيته والأخرى على رأسه - وأكثر الناس من البكاء فقال: لا تبلوا في وقتكم هذا. فستبكون بعدي طويلا. وبعد أن حدثهم الإمام، كاتب أكثر أهل الكوفة إلى معاوية سرا في أمورهم. واتخذوا عنده الأيادي (1).
هنا تكمن حقيقة الابتلاء، وهنا ترى حركة التاريخ، فالإمام يقاتل بضراوة وهو يعلم أنه مقتول وأن معاوية سيملك ما تحت قدمه، والرسول صلى الله عليه وسلم كان يجاهد ويحذر وهو يعلم أن غلمان قريش سينزون على منبره نزو القردة، وكان ينادي بوحدة الأمة وهو يعلم أنها ستفترق إلى أكثر من سبعين شعبة، وكان يحذر من اتباع اليهود والنصارى وهو يعلم أن مساحة كبيرة من الأمة ستتبعهم شبرا بشبر وذراعا بذراع، والإمام علي من بايعه الناس وهو يخوض حروبا فتحوها عليه من كل جانب. ومع ذلك لم يهمل الاصلاح وإقامة الحجة وحشد الحشود، وهو يعلم أن الحشود من حوله ستنفض، ثم تأتيه ضربة من أشقى الناس فتخضب لحيته من رأسه، فما معنى هذا؟ لقد ذكرنا في هذا الكتاب أن كليات الدين موجودة في فطرة الإنسان نفسه، وهذه الفطرة تهدي الإنسان إلى صراط الله العزيز. ومعنى أنها تهديه إلى طريق وإن هناك طريقا آخر يحمل معالم أخرى لا تهدي إلى صراط الله العزيز. ودائرة الفطرة يسهر عليها أنبياء الله ورسله - فالله يبعثهم بالدين، والدين طريق خاصة في الحياة تؤمن صلاح الدنيا بما يوافق الكمال الأخروي. أما دائرة اللاهدى، فيسهر عليها

(1) مروج الذهب 465 / 2.
(٨٢)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 77 78 79 80 81 82 83 84 85 86 87 ... » »»
الفهرست
الرقم العنوان الصفحة
1 معارك الامام أولا - يوم الجمل 1 - الناكثون في البصرة 7
2 2 - مسير الإمام علي 12
3 3 - على أعتاب الحرب 22
4 4 - الحرب 28
5 ثانيا - أيام صفين 1 - إقامة الحجة 42
6 2 - معاوية وسياسة التشكيك 45
7 3 - الاعلام العلوي 59
8 4 - الاصطفاف للقتال 70
9 القتال 76
10 6 - مشاهد من ميدان القتال 85
11 7 - عندما اتخذوا المصاحف جدارا 100
12 ثالثا - التخاذل وغياب القمر 1 - خيمة التحكيم 112
13 2 - قتال المارقين 120
14 3 - التخاذل 128
15 4 - غارات معاوية 140
16 5 - ليلة بكى فيها القمر 145
17 6 - وغاب القمر 149
18 7 - لهيب الليل 155
19 جداول الدماء أولا - عاصفة الأمطار الحمضية 1 - بيعة الحسن بن علي 167
20 2 - القتال بالذهب والفضة 171
21 3 - الغدر 177
22 4 - وفاء وحقائق على الطريق 181
23 5 - نظرات في مقعد جديد 189
24 6 - اتهام الأمين 191
25 7 - إئتمان الخائن 204
26 ثانيا - دماء حول كهف النفاق 1 - قلوب من نحاس 218
27 2 - مقتل حجر بن عدي 220
28 3 - هل رأيت آية النار 226
29 4 - مقتل أبي عبد الله الحسين 231
30 أولا - وجاء وفد أغيلمة قريش 231
31 ثانيا - أبناؤنا خير من أبنائهم 236
32 ثالث - النبي صلى الله عليه وسلم يبكي 242
33 رابعا - على مفترق الطريق 251
34 خامسا - الرسائل والحصار 256
35 سادسا - العزيمة والاصرار 260
36 سابعا - التخويف والإرهاب 263
37 ثامنا - صمود على الطريق 270
38 تاسعا - وجاء الطغاة 279
39 عاشرا - القتلة واللصوص 287
40 إحدى عشر - سلام عليك أبا عبد الله 295
41 1 - صرخات الحسين 296
42 2 - والله إنه ليحزنني قتل الحسين 298
43 اثنى عشر - بكاء وأحداث: في دار أم سلمة رضي الله عنها 301
44 في دار عبد الله بن عباس 302
45 في قصر الامارة 303
46 في قصر الخلافة 306
47 الظهور والتشويه 309
48 نظرات على كربلاء 313
49 5 - الاستعباد 314
50 أولا - يوم الحرة أو يوم الأنصار 315
51 ثانيا - الوحل 323
52 1 - حركة عبد الله بن عمر بن الخطاب 335
53 2 - حركة أنس بن مالك 339
54 ما أشبه الليلة بالبارحة أولا - رياح الفرعونية 1 - تشابه القلوب 358
55 2 - دائرة الرؤية الفرعونية 362
56 نظرات على الأطلال أ - صدود وردود 379
57 ب - إفرازات فكرية 388
58 ج - من مقدمات الإفرازات الفكرية 416
59 ثانيا - آراء وشهود 1 - آراء 440
60 2 - الشهود 459