معالم الفتن - سعيد أيوب - ج ٢ - الصفحة ٤٥٨
فحين قالها لم يكن جاهلا أن الناس عامة همهم حطام هذه الدنيا، ولكنه كان مترفعا عن استخدام سلاح تستقذره نفسه الكريمة ويستخدمه خصمه بلا تحرج وكذلك رده على ابن عباس. حينما استصوب إشارة المغيرة بن شعبة على علي بأن يولي الزبير البصرة ويولي طلحة الكوفة يدل على هذا، فلقد قال: ولو كنت مستعملا أحدا لضره ونفعه لاستعملت معاوية على الشام "، فهو إذن لم يكن بجهل ما يضر وما ينفع، ولكنه كان يأبى ويترفع. ثم يقول سيد قطب رحمه الله:
إن معاوية وزميله عمرو لم يغلبا عليا لأنهما أعرف منه بدخائل النفوس وأخبر منه بالتصرف النافع في الظرف المناسب، ولكن لأنهما طليقان في استخدام كل سلاح، وهو مقيد بأخلاقه في اختيار وسائل الصراع، وحين يركن معاوية وزميله إلى الكذب والغش والخديعة والنفاق والرشوة وشراء الذمم. لا يملك علي أن يتدنى إلى هذا الدرك الأسفل. فلا عجب ينجحان ويفشل، وإنه لفشل أشرف من كل نجاح، على أن غلبة معاوية على علي كانت لأسباب أكبر من الرجلين، كانت غلبة جيل على جيل، وعصر على عصر، واتجاه على اتجاه، كان مد الروح الإسلامي العالي قد أخذ ينحسر، وارتد الكثيرون من العرب إلى المنحدر الذي رفعهم منه الإسلام، بينما بقي علي بن أبي طالب في القمة لا يتبع هذا الانحسار، ولا يرضى بأن يجرفه التيار، من هنا كانت هزيمته، وهي هزيمة أشرف من كل انتصار ثم يقول الأستاذ سيد قطب رحمه الله.
لقد كان انتصار معاوية هو أكبر كارثة دهمت روح الإسلام التي لم تتمكن بعد من النفوس، ولو قد قدر لعلي أن ينتصر، لكان انتصاره فوزا لروح الإسلام الحقيقية، الروح الخلقية العادلة المترفعة التي لا تستخدم الأسلحة القذرة في النضال، ولكن انهزام هذه الروح ولما يمض عليها نصف قرن كامل، وقد قضى عليها فلم تقم لها قائمة بعد - إلا سنوات على يد عمر بن عبد العزيز - ثم انطفأ ذلك السراج، وبقيت الشكليات الظاهرية من روح الإسلام الحقيقية. قد تكون رقعة الإسلام قد امتدت على يدي معاوية ومن جاء بعده، ولكن روح الإسلام قد تقلصت، وهزمت، بل انطفأت، فإن يهش إنسان لهزيمة الروح الإسلامية الحقيقية في مهدها وانطفاء شعلتها بقيام ذلك الملك العضوض، فتلك غلطة نفسية
(٤٥٨)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 453 454 455 456 457 458 459 460 461 462 463 ... » »»
الفهرست
الرقم العنوان الصفحة
1 معارك الامام أولا - يوم الجمل 1 - الناكثون في البصرة 7
2 2 - مسير الإمام علي 12
3 3 - على أعتاب الحرب 22
4 4 - الحرب 28
5 ثانيا - أيام صفين 1 - إقامة الحجة 42
6 2 - معاوية وسياسة التشكيك 45
7 3 - الاعلام العلوي 59
8 4 - الاصطفاف للقتال 70
9 القتال 76
10 6 - مشاهد من ميدان القتال 85
11 7 - عندما اتخذوا المصاحف جدارا 100
12 ثالثا - التخاذل وغياب القمر 1 - خيمة التحكيم 112
13 2 - قتال المارقين 120
14 3 - التخاذل 128
15 4 - غارات معاوية 140
16 5 - ليلة بكى فيها القمر 145
17 6 - وغاب القمر 149
18 7 - لهيب الليل 155
19 جداول الدماء أولا - عاصفة الأمطار الحمضية 1 - بيعة الحسن بن علي 167
20 2 - القتال بالذهب والفضة 171
21 3 - الغدر 177
22 4 - وفاء وحقائق على الطريق 181
23 5 - نظرات في مقعد جديد 189
24 6 - اتهام الأمين 191
25 7 - إئتمان الخائن 204
26 ثانيا - دماء حول كهف النفاق 1 - قلوب من نحاس 218
27 2 - مقتل حجر بن عدي 220
28 3 - هل رأيت آية النار 226
29 4 - مقتل أبي عبد الله الحسين 231
30 أولا - وجاء وفد أغيلمة قريش 231
31 ثانيا - أبناؤنا خير من أبنائهم 236
32 ثالث - النبي صلى الله عليه وسلم يبكي 242
33 رابعا - على مفترق الطريق 251
34 خامسا - الرسائل والحصار 256
35 سادسا - العزيمة والاصرار 260
36 سابعا - التخويف والإرهاب 263
37 ثامنا - صمود على الطريق 270
38 تاسعا - وجاء الطغاة 279
39 عاشرا - القتلة واللصوص 287
40 إحدى عشر - سلام عليك أبا عبد الله 295
41 1 - صرخات الحسين 296
42 2 - والله إنه ليحزنني قتل الحسين 298
43 اثنى عشر - بكاء وأحداث: في دار أم سلمة رضي الله عنها 301
44 في دار عبد الله بن عباس 302
45 في قصر الامارة 303
46 في قصر الخلافة 306
47 الظهور والتشويه 309
48 نظرات على كربلاء 313
49 5 - الاستعباد 314
50 أولا - يوم الحرة أو يوم الأنصار 315
51 ثانيا - الوحل 323
52 1 - حركة عبد الله بن عمر بن الخطاب 335
53 2 - حركة أنس بن مالك 339
54 ما أشبه الليلة بالبارحة أولا - رياح الفرعونية 1 - تشابه القلوب 358
55 2 - دائرة الرؤية الفرعونية 362
56 نظرات على الأطلال أ - صدود وردود 379
57 ب - إفرازات فكرية 388
58 ج - من مقدمات الإفرازات الفكرية 416
59 ثانيا - آراء وشهود 1 - آراء 440
60 2 - الشهود 459