معالم الفتن - سعيد أيوب - ج ٢ - الصفحة ٣٧٠
وقالوا إن هؤلاء الصحابة الذين اعتزلوا الطائفتين، أرجئوا الحكم في أي الطائفتين أحق، وفوضوا أمورهم إلى الله تعالى، وعلى هذا تكون هذه الطائفة من الصحابة أول من وضع بذرة الإرجاء.
ومن وجهة نظري فأنا لا أوافق على هذا التصور، لأن من الصحابة من تأول الأحداث بصورة خاطئة ثم ندم بعد ذلك. ومنهم من كان يخاف من سيوف الجلادين، ويعلم أنهم سيجلسون على الكراسي الأولى في نهاية الأحداث كما أخبر النبي. فآثر الصمت والسكون ومنهم من اكتفى بمراقبة الأحداث من بعيد، خوفا على رأسه من سيف أبي الحسن في الوقت الذي كان يحشد فيه الناس ليقفوا وراء معاوية. وبالجملة: لم يكن هناك إرجاء، وإنما كانت هناك مصالح.
ولا يوجد صحابي اعتزل القتال إلا وهو يعلم أن عليا كان صاحب الحق في جميع معاركه التي خاضها. ولا يوجد صحابي وضع عليا في كفة ومعاوية في كفة ليرى أيهما أرجح. فأين الإرجاء والنبي صلى الله عليه وسلم ترك أمته على المحجة البيضاء ليلها كنهارها، والأحداث في عهد الصحابة كان فيها من الله برهان يجذب العقل إليه ويدعوه إلى التمييز؟ والقول بأن الصحابة كانوا يخافون من الوقوع في الفتن فأرجئوا الحكم في الأحداث إلى الله تعالى، لا يتعادل من أصناف الفتن، يقول تعالى: (إنما أموالكم وأولادكم فتنة) (1) فهل خافوا من الوقوع في هذه الفتن؟ إن التاريخ لم يسجل ذلك للكثير منهم. فلماذا خافوا هناك ولم يخافوا هنا. ثم كيف يهربون من الفتن وتحت سقفها يختبر الله تعالى عباده، قال تعالى: (أحسب الناس أن يتركوا أن يقولوا آمنا وهم لا يفتنون * ولقد فتنا الذين من قبلهم فليعلمن الله الذين صدقوا وليعلمن الكاذبين) (2).
إن الله تعالى يبتلي ما في الصدور، ويمحص ما في القلوب بأحداث تجري على صفحة الوجود. ومخاصمة الفتن في القرن الأول لا يستقيم مع حركة هذا الوجود، لأن هناك أحداث لا بد فيها من القتال حتى لا تكون فتنة ويكون الدين

(1) سورة التغابن: الآية 15.
(2) سورة العنكبوت: الآية 2 - 3.
(٣٧٠)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 365 366 367 368 369 370 371 372 373 374 375 ... » »»
الفهرست
الرقم العنوان الصفحة
1 معارك الامام أولا - يوم الجمل 1 - الناكثون في البصرة 7
2 2 - مسير الإمام علي 12
3 3 - على أعتاب الحرب 22
4 4 - الحرب 28
5 ثانيا - أيام صفين 1 - إقامة الحجة 42
6 2 - معاوية وسياسة التشكيك 45
7 3 - الاعلام العلوي 59
8 4 - الاصطفاف للقتال 70
9 القتال 76
10 6 - مشاهد من ميدان القتال 85
11 7 - عندما اتخذوا المصاحف جدارا 100
12 ثالثا - التخاذل وغياب القمر 1 - خيمة التحكيم 112
13 2 - قتال المارقين 120
14 3 - التخاذل 128
15 4 - غارات معاوية 140
16 5 - ليلة بكى فيها القمر 145
17 6 - وغاب القمر 149
18 7 - لهيب الليل 155
19 جداول الدماء أولا - عاصفة الأمطار الحمضية 1 - بيعة الحسن بن علي 167
20 2 - القتال بالذهب والفضة 171
21 3 - الغدر 177
22 4 - وفاء وحقائق على الطريق 181
23 5 - نظرات في مقعد جديد 189
24 6 - اتهام الأمين 191
25 7 - إئتمان الخائن 204
26 ثانيا - دماء حول كهف النفاق 1 - قلوب من نحاس 218
27 2 - مقتل حجر بن عدي 220
28 3 - هل رأيت آية النار 226
29 4 - مقتل أبي عبد الله الحسين 231
30 أولا - وجاء وفد أغيلمة قريش 231
31 ثانيا - أبناؤنا خير من أبنائهم 236
32 ثالث - النبي صلى الله عليه وسلم يبكي 242
33 رابعا - على مفترق الطريق 251
34 خامسا - الرسائل والحصار 256
35 سادسا - العزيمة والاصرار 260
36 سابعا - التخويف والإرهاب 263
37 ثامنا - صمود على الطريق 270
38 تاسعا - وجاء الطغاة 279
39 عاشرا - القتلة واللصوص 287
40 إحدى عشر - سلام عليك أبا عبد الله 295
41 1 - صرخات الحسين 296
42 2 - والله إنه ليحزنني قتل الحسين 298
43 اثنى عشر - بكاء وأحداث: في دار أم سلمة رضي الله عنها 301
44 في دار عبد الله بن عباس 302
45 في قصر الامارة 303
46 في قصر الخلافة 306
47 الظهور والتشويه 309
48 نظرات على كربلاء 313
49 5 - الاستعباد 314
50 أولا - يوم الحرة أو يوم الأنصار 315
51 ثانيا - الوحل 323
52 1 - حركة عبد الله بن عمر بن الخطاب 335
53 2 - حركة أنس بن مالك 339
54 ما أشبه الليلة بالبارحة أولا - رياح الفرعونية 1 - تشابه القلوب 358
55 2 - دائرة الرؤية الفرعونية 362
56 نظرات على الأطلال أ - صدود وردود 379
57 ب - إفرازات فكرية 388
58 ج - من مقدمات الإفرازات الفكرية 416
59 ثانيا - آراء وشهود 1 - آراء 440
60 2 - الشهود 459