مدافع الفقهاء ، التطرف بين فقهاء السلف وفقهاء الخلف - صالح الورداني - الصفحة ٢٤
وكان معتزلة قد تبنوا فكرة خلق القرآن وكون كلام الله مخلوق.. بينما رفض ابن حنبل والحنابلة من بعده تبني هذه الفكرة على أساس أنها منافية للموروثات الفقهية التي ورثها عن الصحابة والتابعين فضلا عن كونها منافية للروايات التي يتبناها ويقوم مذهبه على أساسها.
من هنا قام المأمون بتصفية تيار الحنابلة أو من يطلقون على أنفسهم أهل الحديث واعتقل إما مهم ابن حنبل وأحكم الحصار الفكري من حوله كي يتراجع عن فكرة كون القرآن غير مخلوق إلا أن ابن حنبل أصر على موقفه مما أوقعه في دائرة التعذيب وظل في حبسه حتى توفي المأمون وجاء من بعده المعتصم الذي تبنى في مواجهته نفس الموقف، كذلك الخليفة الواثق من بعده، حتى جاء المتوكل فأعلن مناصرته للحنابلة الذين كانوا قد أطلقوا على أنفسهم أهل السنة والجماعة، وأطلق لهم العنان لنشر أفكارهم ورواياتهم تحت حمايته، فكان أن بطشوا بالمعتزلة والشيعة والمخالفين لهم وكثرت الفتن والصدامات الدموية.. (62) ولأجل هذا الموقف الذي تبناه المتوكل تغاضى الفقهاء عن مساوئه وجرائمه وانحرافاته التي تصطدم بجوهر الدين ونصوصه الصريحة، واعتبروا موقفه هذا كاف واحد؟؟؟ لجب هذه المساوئ والجرائم والتجاوزات وغفرانها...
يروى عن ابن تيمية قوله: ما أظن الله يغفل عن المأمون.. ولا بد أن يعاقبه على ما أدخله على هذه الأمة.. (63) وأجمع الفقهاء على أن أهل الحديث أو أهل السنة هم الذين يمثلون نهج الرسول (ص) وهم الفرقة الناجية من النار والطائفة المنصورة لولا هم لأهلك الناس المعتزلة وأهل الرأي.. (64) وفي منظور الفقهاء المأمون أهان السنة وأهلها وأكرم أصحاب الاعتزال (المعتزلة) والزنادقة وأن عصره لم يكن عصرا ذهبيا بل عصر ضلال وبدع وفساد عقائدي.. (65)

(٦٠) المأمون هو عبد الله بن هارون الرشيد ولد سنة (١٧٠ ه‍) ودانت له الدولة بعد قتل أخيه الأمين سنة (١٩٨ ه‍) (ت ٢١٨ ه‍) كان صاحب علم ورأي وفصاحة. وكما مال إلى المعتزلة مال إلى الشيعة أيضا وجعل علي بن موسى الرضا ثامن الأئمة عند الشيعة الإمامية وليا للعهد وأظهر تفضيل على علي أبي بكر..
(٦١) تقوم فكرة خلق القرآن على أساس أن كلام الله سبحانه حديث وأنه أوجد بلغة العرب فمن ثم هو ليس قديما وإنما اخترع لرسالة محمد (ص. وهذه الفكرة قامت في الأساس للتفريق بن ذات الله سبحانه وبين كلامه وهو ما يرفضه الطرف الآخر بزعامة ابن حنبل ويصر على أن كلام الله قديم قدم ذاته..
(62) أنظر سيرة المتوكل في تاريخ الخلفاء للسيوطي وكتب التاريخ، وانظر فتن الحنابلة وصداماتهم مع الفقهاء والعامة والتيارات الأخرى في الكامل في التاريخ لابن الأثير حوادث عام 321 ه‍. وحوادث عام 398 ه في تاريخ الإسلام للذهبي. وحوادث عام 475 ه‍..
(63) العواصم من القواصم. ونقد المنطق..
(64) المرجع السابق وانظر الإعتصام للشاطبي والعقيدة الواسطة لابن تيمية وشرح أصول الاعتقاد للالكائي وشرف أصحاب الحديث للخطيب. وانظر لنا أهل السنة شعب الله المختار..
(65) العواصم. وانظر سيرة ابن حنبل في تاريخ الإسلام للذهبي وطبقات الحنابلة. والفقهاء الذين يقفون هذا لموقف من المأمون هم الحنابلة..
(٢٤)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 19 20 21 22 23 24 25 26 27 28 29 ... » »»
الفهرست