مدافع الفقهاء ، التطرف بين فقهاء السلف وفقهاء الخلف - صالح الورداني - الصفحة ١٧٠
بثلاثمائة سنة بنيت بعد بغداد وبعد البصرة والكوفة وواسط وقد اتفق المسلمون على أن ما بناه المسلمون من المدائن لم يكن لأهل الذمة أن يحدثوا فيه كنيسة مثل ما فتحه المسلمون صلحا وأبقوا لهم كنائسهم القديمة بعد أن شرط عليهم فيها عمر بن الخطاب أن لا يحدثوا كنيسة في أرض الصلح فكيف في بلاد المسلمين بل إذا كان لهم كنيسة بأرض العنوة كالعراق ومصر ونحو ذلك فبنى المسلمون مدينة عليها فإن لهم أخذ تلك الكنيسة لئلا تترك في مدائن المسلمين كنيسة بعد عهد فإن في سنن أبي داود بإسناد جيد عن ابن عباس رضي الله عنهما عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال " لا تصلح قبلتان بأرض ولا جزية على مسلم " والمدينة التي يسكنها المسلمون والقرية التي يسكنها المسلمون وفيها مساجد المسلمين لا يجوز أن يظهر فيها شئ من شعائر الكفر لا كنائس ولا غيرها إلا أن يكون لهم عهد فيوفى لهم بعهدهم، فلو كان بأرض القاهرة ونحوها كنيسة قبل بنائها لكان للمسلمين أخذها لأن الأرض عنوة فكيف وهذه الكنائس محدثة أحدثها النصارى.
وقد كان في بر مصر كنائس قديمة لكن تلك الكنائس أقرهم المسلمون عليها حين فتحوا البلاد لأن الفلاحين كلهم كانوا نصارى ولم يكونوا مسلمين وإنما كان المسلمون الجند خاصة وأقروهم كما أقر النبي صلى الله عليه وسلم اليهود على خيبر لما فتحها لأن اليهود كانوا فلاحين وكان المسلمون مشتغلين بالجهاد.
ثم إنه بعد هذا في خلافة عمر بن الخطاب لما كثر المسلمون واستغنوا عن اليهود أجلاهم عن خيبر كما أمر بذلك النبي صلى الله عليه وسلم حيث قال " أخرجوا اليهود والنصارى من جزيرة العرب " حتى لم يبق في خيبر يهودي وهكذا القرية التي يكون أهلها نصارى وليس عندهم مسلمون ولا مسجد للمسلمين فإذا أقرهم المسلمون على كنائسهم التي فيها جاز ذلك كما فعله المسلمون، وأما إذا سكنها المسلمون وبنوا بها مساجدهم فقد قال النبي صلى الله عليه وسلم " لا تصلح قبلتان بأرض " وفي أثر آخر " لا يجتمع بيت رحمة وبيت عذاب " والمسلمون قد كثروا بالديار المصرية وعمرت في هذه الأوقات حتى صار أهلها بقدر ما كانوا في زمان صلاح الدين مرات متعددة.
وإنما قويت شوكة النصارى والتتار بعد موت العادل أخي صلاح الدين حتى إن بعض الملوك أعطاهم بعض مدائن المسلمين وحدث حوادث بسبب التفريط فيما أمر الله به ورسوله صلى الله عليه وسلم فإن الله تعالى يقول " ولينصرن الله من ينصره إن الله لقوي عزيز الدين إن مكناهم في الأرض أقاموا الصلاة وآتوا الزكاة وأمروا بالمعروف ونهوا عن المنكر ولله عاقبة الأمور "
(١٧٠)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 164 165 166 167 169 170 171 172 173 175 177 ... » »»
الفهرست