دفاع عن الرسول ضد الفقهاء والمحدثين - صالح الورداني - الصفحة ٣١١
أما الرواية الثالثة فتكشف انحياز الرسول للمسلم ضد اليهودي في قضية سلوكية ترتبط بالأدب والأخلاق ولا صلة لها بأمر الاعتقاد. فهو لم يقتص لليهودي من المسلم وكل ما أظهرته الرواية هو أن الرسول زكى موسى (1)..
وهذه الروايات المتطرفة المتعلقة بأهل الكتاب إنما هي خاصة بمرحلة الرسول (ص) وما كان يقوم به اليهود من دور تآمري ضد الرسول والإسلام. أما اليوم فما هو ذنب الشعوب المستضعفة التي تدين بالمسيحية أو غيرها من الأديان؟
إن على المسلمين أن يدركوا أن نزعة العداء هذه يجب أن تتجه إلى الحكام لا إلى هذه الشعوب. فهذا العداء هو المقصود من النصوص القرآنية المتعلقة بأهل الكتاب التي تزدحم بها سورة التوبة وغيرها من سور القرآن..
أما نصوص الفقهاء التي تنادي بهدم الكنائس والبيع وغيرها من المعابد وإلزام أهل الكتاب بلباس خاص ومنعهم من إشهار شعائرهم إلى آخر تلك النصوص التي تكتظ بها كتب الفقه. فهذه النصوص جميعها لا تخرج عن كونها أقوال رجال نبعت من واقع لا صلة له بالإسلام وهو واقع تلك الدول الملكية المنحرفة وفي مقدمتها الدولة الأموية والدولة العباسية تلك الدول العنصرية التي كان هدفها هو جمع الأموال وكنز الذهب والفضة والنفائس عن طريق الجزية والخراج (2)..
ومثل هذه السياسة هي التي دفعت بعمر بن عبد العزير أن يصدر قرار بعدم الحيلولة دون دخول أهل الكتاب في الإسلام. وقد كان الحكام من قبله يحولون بينهم وبين ذلك مخافة أن يقل إيراد الدولة من الجزية والخراج - وقال قولته المشهورة: إن الله ابتعث محمد داعيا لا جابيا (3)..
إلا أنه بالتعمق في مواقف الرسول (ص) يتبين لنا أن تلك الصورة المتطرفة

(١) أنظر شرح هذه الرواية في النووي كتاب الفضائل. وفتح الباري كتاب الخصومات.
(2) أنظر أحكام أهل الذمة لابن القيم ومجموع الرسائل والمسائل لابن تيمية. والمختصر للشافعي.
(3) أنظر سيرة عمر بن عبد العزيز في كتب التاريخ..
(٣١١)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 306 307 308 309 310 311 312 313 315 316 317 ... » »»
الفهرست