الإمامة وأهل البيت - محمد بيومي مهران - ج ١ - الصفحة ٢٤٢
الحجاج الثقفي في الكوفة عام 84 ه‍ / 803 م، ثم قتل، لجأ أنصاره - ولم يكونوا شيعة، كما أن عبد الرحمن وأباه وجده لم يكونوا شيعة، بل كانوا من أعداء الإمام علي بن أبي طالب - لجأوا إلى التقية، حين سامهم الحجاج الخسف، ومن الغريب أن هذا الحجاج الثقافي لم يبغ سوى إذلال الرجال، والازدراء بأعدائه (1).
وإنه - كما يقول الدكتور الشيبي - لمزاج غريب حقا "، حمل الحجاج الناس على الكفر شرطا " لإطلاق سراحهم وإهدار دمهم مع الإيمان، وتلك - على كل حال - صورة مما آلت إليه حال العالم الإسلام في أواخر القرن الأول الهجري (2).
ولعل من أوضح الأدلة على رسوخ التقية في نفوس المسلمين عموما " في هذا الوقت أن الشعبي (3) (19 - 103 ه‍ / 640 - 721 م) - والذي يمثل في

(١) روى ابن الأثير: أن الحجاج بعد أن فرغ من أمر ابن الزبير، سار إلى المدينة، وكان عبد الملك بن مروان قد استعمله على مكة والمدينة، فلما قدم المدينة أقام بها شهرا " أو شهرين، فأساء إلى أهلها واستخف بهم، وقال: أنتم قتله أمير المؤمنين عثمان، وختم أيدي جماعة من الصحابة بالرصاص، استخفافا " بهم، كما يفعل بأهل الذمة، منهم جابر بن عبد الله الأنصاري، وأنس بن مالك وسهل بن سعد بن أبي وقاص، ثم عاد إلى مكة فقال: الحمد لله الذي أخرجني من أم نتن، أهلها أخبث بلد وأغشه لأمير المؤمنين، وأحسدهم له على نعمة الله، والله لولا ما كانت تأتيني كتب أمير المؤمنين فيهم، لجعلتها مثل جوف الحمار، أعوادا " يعودون بها، ورمية قد بليت (الكامل في التاريخ ٤ / ٣٥٨ - ٣٥٩) هذا وقد اتخذ الحجاج سجونا " لا تقي من حر ولا برد، وكان يعذب المساجين بأقصى ألوان العذاب وأشده، فكان يشد على يد السجين القصب الفارسي المشقوق ويجر عليه، حتى يسيل دمه، وقد مات في سجن الحجاج قرابة خمسين ألف رجل، وثلاثين ألف امرأة، منهن ست عشرة ألفا " مجردات من الثياب، وكان يحبس النساء والرجال في مكان واحد (الدميري: حياة الحيوان ١ / ١٧٠) وأحصى في سجنه قرابة ثلاثة وثلاثين ألف سجين، لم يحبسوا في دين ولا تبعة (ياقوت: معجم البلدان ٥ / ٣٤٩، المسعودي: مروج الذهب ٣ / ١٦٥)، وكان يمر على أهل السجون فيقول لهم: إخسأوا فيها، ولا تكلمون (ابن حجر العسقلاني: تهذيب التهذيب ٢ / ٢١٢).
(٢) كامل الشيبي: المرجع السابق ص ٢٤١.
(٣) الشعبي: هو أبو عمرو عامر بن شراحيل بن عبد بن ذي كبار (قيل من أقيال اليمن) الشعبي، ولد بالكوفة ١٩ ه‍ / ٦٤٠ م، وقد اتصل بعبد الملك بن مروان، وكان سفيرا " له إلى ملك الروم، وعينه عمر بن عبد العزيز قاضيا "، وكان محدثا " وعالما " بالفقه والمغازي، عارفا " بالشعر، رواية له روى أن ابن عمر بن الخطاب مر به وهو يحدث بالمغازي، فقال: شهدت القوم وإنه أعلم بها مني وقال الزهري: العلماء أربعة: ابن المسيب بالمدينة، والشعبي بالكوفة، والحسن البصري بالبصرة، ومكحول بالشام وانظر عن مصادر ترجمته (شذرات الذهب ١ / ١٢٦ - ١٢٨، وفيات الأعيان ٣ / ١٢ - ١٦، طبقات ابن سعد ٦ / ٢٤٦ - ٢٥٦، تاريخ بغداد ١٢ / ٢٢٧ - ٢٣٣، حلية الأولياء ٤ / ٣١٠ - ٣٣٨، تذكرة الحفاظ للذهبي ص ٧٩ - ٨٨ التهذيب لابن حجر ٥ / ٦٥ - ٦٩، تقريب التهذيب لابن حجر ١ / ٣٨٧، الأعلام للزركلي ٤ / ١٨ - ١٩، معجم المؤلفين لكحالة ٥ / ٥٤، المعارف لابن قتيبة ص 229، سمط اللآلي للبكري ص 751، تهذيب تاريخ دمشق لابن عساكر 7 / 138، عبر الذهبي 1 / 127، فؤاد سزكين: تاريخ التراث العربي 2 / 68 - 69 - الرياض 1983.
(٢٤٢)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 237 238 239 240 241 242 243 244 245 246 247 ... » »»
الفهرست
الرقم العنوان الصفحة
1 تقديم 7
2 الرأي الأول: أهل البيت: أزواج النبي 12
3 الرأي الثاني: أهل البيت: من حرمت عليهم الصدقة 16
4 الرأي الثالث: أهل البيت: النبي وعلي وفاطمة والحسن والحسين 17
5 الباب الأول 27
6 أولا ": الإمامة 27
7 ثانيا ": حكم الإمامة 30
8 ثالثا ": اختيار الإمام 50
9 رابعا ": شروط الإمام 62
10 خامسا ": عقد الإمامة 76
11 1 - الطريق الأول: البيعة 88
12 2 - الطريق الثاني: العهد 92
13 3 - الطريق الثالث: القهر والاستيلاء 96
14 سادسا ": طاعة الإمام 97
15 سابعا ": حقوق الإمام وواجباته 118
16 ثامنا ": ألقاب الإمام أو الخليفة 124
17 1 - الخليفة 126
18 2 - أمير المؤمنين 128
19 3 - الإمام 131
20 4 - الملك 132
21 تاسعا ": إمامة المفضول 151
22 عاشرا ": الإمامة عند الشيعة الإمامية 168
23 1 - العصمة: 186
24 2 - التقية: 207
25 1 - التقية في القرآن 208
26 2 - التقية في السنة 213
27 3 - التقية في الدليل العقلي 223
28 4 - التقية عند الخوارج 229
29 5 - التقية عند الشيعة 232
30 6 - التقية عند أهل السنة 241
31 3 - الرجعة 248
32 4 - المهدي 250
33 5 - البداء 263
34 6 - الجفر 265
35 7 - مصحف فاطمة 268
36 الباب الثاني: التشيع: بدايته وأصوله 275
37 1 - التشيع: أسبابه وبدايته 275
38 أولا ": منذ أيام النبي صلى الله عليه وسلم: 280
39 1 - عمار بن ياسر 288
40 2 - أبو ذر الغفاري 298
41 3 - سلمان الفارسي 314
42 ثانيا ": يوم وفاة الرسول 335
43 1 - وجهة نظر الأنصار 335
44 2 - وجهة نظر المهاجرين 336
45 3 - وجهة نظر بني هاشم 337
46 ثالثا ": منذ قصة الشورى 356
47 رابعا ": منذ أخريات أيام عثمان 373
48 خامسا ": منذ وقعة الجمل 384
49 سادسا ": منذ التحكيم 391
50 سابعا ": في أعقاب مأساة كربلاء 402
51 2 - أصل التشيع 412
52 3 - أسباب التشيع 428
53 المراجع المختارة 431
54 أولا ": المراجع العربية 431
55 كتب التفسير 434
56 ثانيا ": المراجع المترجمة 459
57 ثالثا ": المعاجم ودوائر المعارف 460