الكتاب المقدس - مجمع الكنائس الشرقية - الصفحة ٤٥٨
ماض إلى أورشليم أسير الروح، لا أدري ماذا يحدث لي فيها. على أن الروح القدس كان يؤكد لي في كل مدينة أن السلاسل والشدائد تنتظرني " (رسل 20 / 22 - 23).
كتبت الرسالة إلى أهل رومة السنة 57، في رأي بعض المؤرخين، أو السنة 58 في رأي غيرهم، بحسب التسلسل التاريخي الذي يأخذون به. ومهما يكن من أمر، فقد كتبت في أول الربيع، أي في أيام السنة التي كانوا يعودون فيها إلى الملاحة المنتظمة بعد انقضاء أشهر الشتاء التي تسوء فيها الأحوال الجوية.
لم يشك أحد في صحة نسبة الرسالة إلى بولس. كل ما هنالك أن فصليها الأخيرين وحدهما موضوع تحقيق لاختلاف الروايات في الأصول.
[الغاية من الرسالة والأحوال التي دعت إلى كتابتها] إن الظروف التي كتبت فيها الرسالة إلى أهل رومة معروفة معرفة كافية، ولكن نوعها الأدبي يبقى غامضا. أترانا أمام بحث في صيغة رسالة، أم أمام رسالة حقيقية وليدة حدث؟ وبعبارة أخرى، هل أراد الرسول خصوصا، لما أملى هذه الرسالة، تلقين كنيسة رومة تعليما في الحقيقة الإنجيلية، أم حاول قبل كل شئ الحصول على نتيجة عملية تلبي حاجات كان يعلم بوجودها في تلك الكنيسة؟
[1. مؤلف عقائدي] إن معظم المفسرين، حتى ما يقرب من آخر القرن التاسع عشر، عدوا الرسالة إلى أهل رومة رسالة بحثا، فهي في رأيهم مؤلف عقائدي في صيغة رسالة مفتوحة. لم يكن إعلام بولس بمجيئه القريب إلى رومة سوى ذريعة تذرع بها، فإنه لم يكن يعرف تلك الكنيسة، ولم يكن له عليها أي سلطة مباشرة، وكان يحرص " ألا يبني على أساس غيره " (15 / 20). فلم يكن له ما يدعوه إلى التطرق لما في الجماعة من مشاكل عملية، ولا الدخول في جدال ولا الدفاع عن نفسه، بل انتهز الفرصة التي سنحت له لكي يبعث برسالة إلى كنيسة رومة، يعرض فيها على الرومانيين، ومن فوق رأس الرومانيين على جميع المؤمنين، أهم المسائل التي تشغل ذهنه، ويعود فيها، بلهجة هادئة وبأسلوب أكثر تنسيقا، إلى ما كتبه في رسالته إلى أهل غلاطية.
فلا بد من مقابلة الرسالتين، فإننا نجد في كل منهما أهم موضوعات تفكير بولس اللاهوتي، كالتبرير والخلاص وشريعة موسى والإيمان المسيحي والقيمة النبوية لشخص إبراهيم الخ. غير أن التباين بين الرسالتين لا يقل عما فيهما من شبه يدعو إلى الدهش. فعلى قدر ما نشعر، ونحن نطالع الرسالة إلى أهل غلاطية بأن بولس كتبها وهو منفعل، ندهش ونحن نطالع الرسالة الأخرى، لما فيها من لهجة هادئة تعليمية بسيطة ومن سمو المعاني. ما يبلغ هو واحد، ولكنه يعرض ويشرح على وجه أوسع وبلهجة هادئة ومن غير جدال.
أجل، إن بولس، من أول الرسالة إلى آخرها، يكلم بعنف مخاطبا، من غير أن يشير إليه إشارة واضحة. وهو لا ينفك يستعمل الاستفهام البياني والتعجب والاستنكار والجمل المعترضة. لم يستعمل
(٤٥٨)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 451 452 453 455 457 458 459 460 461 462 463 ... » »»
الفهرست
الرقم العنوان الصفحة