أشد الجهاد - الشيخ داود الموسوى البغدادى - الصفحة ٢٣
هذا البلاء المبين آمين ثم اعلم أيها الناصح لنفسه المستبرء لدينه قبل حلول رمسه لو فرضنا أنك من أهل الاجتهاد مثلا أليس كما قيل السعيد من اكتفى بغيره فإن المذاهب الأربعة رضي الله عنهم لكونهم في ذلك الزمان المنور والعلم الغزير الأزهر والباطن الواسع الأطهر ما تركوا لأحد حاجة ولا أبقوا لمتعقب ذي لجاجة بل أصلوا وفرعوا وجنسوا ونوعوا وأخذوا من الكتاب والسنة والإجماع والقياس المعتبرين ما يغني كل متورع ولو بلغ كلما بلغ أفتكون أنت أيها المدعي مثل أبي حنيفة في ورعه الذي ضاعت شاة في البلد فمنع نفسه عن أكل اللحم أربع سنين وقيل عشر سنين لما سئل عن عمر الشاة ماذا تعيش في الغالب فقيل له عشر سنين أو مثل الشافعي أو مالك أو أحمد ابن حنبل الذي منع نفسه شرب ماء الدجلة لأن الحكام كانوا إذا أكلوا رموا فضلة طعامهم فيها أو تكون عالما كعلمهم بل حاشا وكلا أن تكون كأدنى أدنى أدنى طلبة مقلديهم فإذا كان هؤلاء تعبوا وجاهدوا وسهروا وأجاعوا البطون وأظمؤوا القلوب ومنعوا النفوس لذائذها مدة عمرهم لأجل إقامة الدين وإراحة أئمة سيد المرسلين أفلا تكتفي بما أظهروه من الكتاب والسنة وتستريح من التعب فأي مسألة تريد أن تتعب نفسك في استخراجها أو ترى أنهم ما اتبعوا الكتاب والسنة مع علمهم وورعهم وأنت اتبعته حتى تأتي في آخر الزمان الذي هو شر الأزمان وسبقك خير الأزمان الذي كان فيه الفحول من الرجال ومن العلماء الأبطال وتريد أن تظهر شيئا ما ذكره أحد منهم وتستدركه عليهم فوالله إنك لمجنون وواقع في أمر مهول ويحك اتق الله فلا تتبع الهوى فيضلك عن سبيل الله نعم أردت أن يقال خالف تعرف فسولت لك نفسك أنك إذا ادعيت الاجتهاد ساويت أولئك الأمجاد وظهر صيت لك بين الطغام والأوغاد وصرت في زعمك آمرا غير مأمور وفي قيد الجهل والادعاء مأسور أفلا تخاف الله يوم يؤخذ بالنواصي ويرجع إليه القريب والقاصي فانته وانتبه مما أنت به فعن قريب تذهب تلك الدعاوى وبالموت أنت أسفل السافلين هاوي ورأيت كتابا لبعض المتقدمين في ذم البدع والمبتدعين قال فيه ما نصه إذ لا يجوز أن يقلد الإنسان في دينه إلا من هو معصوم وهو صاحب الشريعة صرم أو من شهد له صاحب الشريعة بالخير وهم القرون الثلاثة الذين
(٢٣)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 18 19 20 21 22 23 24 25 26 27 28 ... » »»