وجدنا لدى هشام اتجاها ماديا قويا، فقد نسب إليه القول بجسمية أكثر الأعراض، كالألوان والطعوم والروائح، ونسب إليه القول بقسمة الجزء أبدا، والقول بأن الله تعالى جسم وغير ذلك.
وهذه الآراء تنسب إلى الرواقيين من فلاسفة اليونان، فقد غالوا بتجسيم كل شئ حتى الأشكال الهندسية، وقالوا بانقسام الجزء إلى ما لا نهاية بالفعل على خلاف قول أرسطو الذي قال بالانقسام بالقوة.
ومن الممكن أن يكون لهؤلاء الرواقيين أثر في تفكير هشام، جاءه عن طريق الديصانية الذي كانوا منتشرين في العراق، ومن دعاتها وزعمائها أبو شاكر الديصاني أستاذ هشام. ومن العادة أن نلمح آراء الأستاذ في آراء تلميذه.
يقول الأستاذ (بريتزل): " إن أثر الرواقيين لم يكن له تأثير مباشر في نشوء الفلسفة عند العرب، بل إنه جاءهم عن طريق مذهب الديصانية والغنطوسية والمذاهب الثنوية على اختلافها، وبما كان فيها من جمع وتوفيق بين مذهب اليونان، والرواقيون من بينهم، خصوصا وأنه وجد ما يدل على أثر للرواقيين مع غيرهم حول مدينة الرها " (1).
ويلاحظ (ه. ه. شيدر) في مقال له عن ابن ديصان الرهاوي (في مأثور الكنيسة اليونانية والسريانية)، أن بعض نواحي مذهب ابن ديصان تجعلنا نضعه بين الرواقيين (2).