التخطيط والتصوير، زائدة من بعد نقصان، وناقصة من بعد زيادة، قد أنشئ لها حواس مختلفة، وجوارح متباينة، من بصر وسمع وشامة وذائق ولامس، مجبولة على الضعف والنقص والمهانة، لا تدرك واحدة منها مدرك صاحبتها، ولا تقوى على ذلك، عاجزة عند اجتلاب المنافع إليها، ودفع المضار عنها، واستحال في العقول وجود تأليف لا مؤلف له، وثبات صورة لا مصور لها، فعلمت أن لها خالقا خلقها، ومصورا صورها، مخالفا لها على جميع جهاتها، قال الله عز وجل: * (وفي أنفسكم أفلا تبصرون) * " (1).
وهذا الاستدلال - كما نراه - طريف من حيث الصورة والفكرة والأسلوب، ينتهي بالقارئ إلى أفق فسيح معمور بالإحساس واليقين، وينبغي أن لا يفوتنا ملاحظة ما في حديثه هذا من الاستدلال المنطقي الذي أداه بقوله: " واستحال في العقول وجود تأليف لا مؤلف له، وثبات صورة لا مصور لها " والذي استقاه من قول الله تعالى * (وفي الأرض آيات للموقنين وفي أنفسكم أفلا تبصرون) * في تفصيل وشرح وتفسير، وهو من البراهين الآنية كما يسميه المناطقة، التي كثرت في القرآن الكريم. والتي يتأتى العلم بالشئ من العلم بآثاره كما يتأتى العلم به من طريق الحواس الظاهرة أو الباطنة أو الحدس من التجارب ونحوها.
ومثال آخر وهو ما مر سابقا.