أقول:
لم يجب الرازي عن الاحتمال الثاني، وإن أوهم بقوله " وتقريره... " أن ما ذكره تقرير لمنع كلا الاحتمالين، لكن هذا التقرير لمنع الثالث. ومن الواضح أن لا إشكال في افتراض طاعة هارون فيما يؤديه عن موسى، وهو الاحتمال الثاني، لأن هارون - وإن كان شريكا لموسى في النبوة - فقد كان تابعا لموسى، وكان موسى هو الأصل في النبوة، كما صرح به الرازي نفسه (1) والنيسابوري (2) فأي مانع عن بقائه مؤديا للأحكام عن موسى لو بقي حيا بعده؟
وأما ما ذكره في تقرير منع الاحتمال الثالث، ففي غاية الركة والسخافة، لأنه مع كون هارون أفضل الناس بعد موسى عليهما السلام، فمع فرض وجوده من بعده لا يجوز تولي غيره تنفيذ الأحكام، لعدم جواز رئاسة المفضول مع وجود الأفضل، بخلاف حال حياة موسى، فإن موسى كان أفضل من هارون، فلا قبح في عدم استقلال هارون وانفراده في تنفيذ الأحكام.
فبطل احتمال عدم افتراض طاعة هارون في تنفيذ الأحكام لو بقي حيا بعد موسى عليه السلام، وأما في حياة موسى، فإن وجود الأفضل منه - وهو موسى - منع من انفراده في تنفيذ الأحكام.
وأما أمير المؤمنين عليه السلام المفترض الطاعة بعد النبي، فلم يكن أفضل منه في الأمة، فلا مانع من انفراده في تنفيذ الأحكام، فكان حاله بعد النبي حال هارون بعد موسى عليهم الصلاة والسلام.