مجلة تراثنا - مؤسسة آل البيت - ج ٥١ - الصفحة ٤٣٠
ثمن إلا الجنة، فلا تبيعوها بغيرها (1).
يا هشام! إن أمير المؤمنين (عليه السلام) كان يقول: " إن من علامة العاقل أن يكون فيه ثلاث خصال: يجيب إذا سئل، وينطق إذا عجز القوم عن الكلام، ويشير بالرأي الذي يكون فيه صلاح أهله، فمن لم يكن فيه من هذه الخصال الثلاث شئ فهو أحمق ".
إن أمير المؤمنين (عليه السلام) قال: " لا يجلس في صدر المجلس إلا رجل

(١) " لا دين لمن لا مروة له " المروة: الإنسانية وكمال الرجولية، وهي الصفة الجامعة لمكارم الأخلاق ومحاسن الآداب.
" ولا مروة لمن لا عقل له " لأن من لا عقل له لا يكون عارفا بما ينبغي أن يفعله ويليق به وما لا ينبغي ولا يليق، فربما يترك اللائق ويأتي بما لا ينبغي، ومن كان كذلك لا يكون ذا مروة ولا دين.
" خطرا " الخطر: الحظ والنصيب والقدر والمنزلة، والسبق الذي يتراهن عليه.
" أما إن أبدانكم... " أي ما يليق أن يكون ثمنا لها، شبه استعمال البدن في المكتسبات الباقية ببيعها بها، وذلك لأن الأبدان في التناقص يوما فيوما لتوجه النفس منها إلى عالم آخر، فإن كانت النفس سعيدة كانت غاية سعيه في هذه الدنيا وانقطاع حياته الدنية إلى الله سبحانه، وإلى نعيم الجنة، لكونه على منهج الهداية والاستقامة فكأنه باع بدنه بثمن الجنة معاملة مع الله تعالى، ولهذا خلقه الله عز وجل.
وإن كانت شقية كانت غاية سعيه وانقطاع أجله وعمره إلى مقارنة الشيطان وعذاب النيران لكونه على طريق الضلالة، فكأنه باع بدنه بثمن الشهوات الفانية واللذات الحيوانية التي ستصير نيرانا محرقة مؤلمة وهي اليوم كامنة مستورة عن حواس أهل الدنيا، وستبرز يوم القيامة * (وبرزت الجحيم لمن يرى) * [سورة النازعات 79: 36] معاملة مع الشيطان * (وخسر هنالك المبطلون) * [سورة غافر 40: 78].
وقيل: جعل الجنة ثمن البدن إشارة إلى أن ثمن النفس المجردة والأرواح القدسية هو الله سبحانه، والفناء المطلق فيه وفي مشاهدة نور وجهه الكريم وفي إضافة البدن إلى ضمير الخطاب دلالة على أن النفس الناطقة التي هي الإنسان حقيقة، جوهر آخر وراء البدن.
(٤٣٠)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 425 426 427 428 429 430 431 432 433 434 435 ... » »»
الفهرست
الرقم العنوان الصفحة