مجلة تراثنا - مؤسسة آل البيت - ج ٣٩ - الصفحة ٤٣٨
أم سلمة قالت لرسول الله صلى الله عليه وآله وسلم: ألست من أهل البيت؟
فقال: بلى إن شاء الله (80).
والجواب: أنا لا نسلم صحة سندها (81)، ولو سلم، نقول:

(٨٠) أخرج رواية أم سلمة - رضي الله عنها - البيهقي كما في مناقب الخوارزمي: ٣٠٦ ح ٣٥١، والحاكم الحسكاني في شواهد التنزيل ٢ / ٦٠ ح ٧١٨، والبغوي في معالم التنزيل ٤ / ٤٦٥ في تفسير آية التطهير، وابن عساكر في ترجمة الإمام الحسين عليه السلام من تاريخ دمشق ٦ / ٨٤، كلهم جميعا من طريق الحاكم النيسابوري عن رجاله.
أما الحاكم فقد أخرج أيضا هذه الرواية في موضعين من المستدرك وهما ٢ / ٤١٦ و ٣ / ١٤٦ بلا قول أم سلمة رضي الله تعالى عنها - المحتج به في هذا الايراد.
نعم، أخرج الرواية ابن المغازلي في مناقبه: ٣٠٦ ح ٣٥١ من غير طريق الحاكم وفيها سؤال أم سلمة المذكور، ولم أجد من أخرجها غير المذكورين، وسنناقش إسنادها في الهامش اللاحق.
(٨١) المتحصل من الهامش السابق أن للرواية طريقين لا ثالث لهما، وهما:
الأول: ما ذكره البيهقي والحسكاني والبغوي وابن عساكر، وأسندوه جميعا إلى الحاكم النيسابوري، وينتهي هذا الطريق - مرورا بالحاكم - إلى عبد الرحمن بن عبد الله بن دينار، عن شريك بن عبد الله بن أبي نمر، عن عطاء بن يسار، عن أم سلمة.
الثاني: وهو طريق ابن المغازلي الذي ينتهي إلى أنس بن عياض، عن شريك بن عبد الله بن أبي ثمر، عن عطاء بن يسار، عن أم سلمة. وهذا الطريق وإن لم يمر بالحاكم إلا أنه متصل بطريقه من جهة شريك بن عبد الله بن أبي نمر.
أما الأول: ففيه عبد الرحمن بن عبد الله بن دينار، وقد ضعفوه وطعنوا بحديثه.
قال الدوري، عن ابن معين: حديثه - عندي - ضعيف.
وقال أبو حاتم: فيه لين، يكتب حديثه ولا يحتج به.
وقال ابن عدي: وبعض ما يرويه منكر لا يتابع عليه، وهو في جملة من يكتب حديثه من الضعفاء.
وقال ابن الحربي: غيره أوثق منه.
وذكره ابن عدي في ضعفاء الرجال، والعقيلي في الضعفاء الكبير، وكان عبد الرحمن بن مهدي لا يحدث عن عبد الرحمن هذا بشئ قط، ولم يذكر ابن حجر لعبد الرحمن رواية عن شريك، كما لم يعد شريكا من مشايخه كما هو دأبه في التراجم.
أنظر: تهذيب التهذيب ٦ / ١٨٧ رقم ٤٢٢، وميزان الاعتدال ٢ / ٥٧٢ رقم ٤٩٠١، والجرح والتعديل - لابن أبي حاتم - ٥ / ٢٥٤ رقم ١٢٠٤، والكامل في ضعفاء الرجال ٤ / ١٦٠٧، والضعفاء الكبير ٢ / ٣٣٩.
وفي هذا الطريق - كما تقدم - شريك بن عبد الله، وقد ورد بحقه قدح ومدح، والجرح مقدم على التعديل إذا لم يكن الجارح عند أهل السنة قد جرحه لحسد أو عداوة أو بغضاء أو مخالفة في مذهب، كما لا يلتفت إلى قول الجارح عندهم إذا كان المجروح قد كثر مادحوه على ذاميه، ومزكوه على جارحيه، كما صرح به السبكي في طبقات الشافعية ٤ / ١٨٨، وذم شريك لم يكن من هذا القبيل إذ لا منافسة دنيوية بينه وبين من ضعفه، ولا هو من نظراء أهل الرجال، بل ولا هو من رواة (الرافضة) وفيما رواه يفيد النقض عليهم.
ومع هذا كان يحيى بن سعيد لا يحدث عنه البتة.
واتهمه الساجي بأنه من القدرية.
وقال النسائي وابن الجارود: ليس بالقوي.
وذكره ابن الجوزي في الضعفاء والمتروكين.
ولم يوثقه ابن أبي حاتم في الجرح والتعديل واكتفى بنقل نفي البأس عنه عن ابن معين.
ولهذا قيد الذهبي وابن عدي قبول روايته برواية الثقة عنه. قال الذهبي: (إذا روى عنه ثقة فإنه ثقة) وقال ابن عدي: (إذا روى عنه ثقة فلا بأس برواياته).
أنظر: ترجمته في تهذيب التهذيب ٤ / ٢٩٦ رقم ٥٨٨، وميزان الاعتدال ٢ / ٢٦٩ رقم ٣٦٩٦، والجرح والتعديل - لابن أبي حاتم - ٤ / ٣٦٣ رقم ١٥٩٢، والضعفاء والمتروكين - لابن الجوزي - ٢ / ٤٠ رقم ١٦٢٤، وبغض النظر عن سلامة مبنى الذهبي وابن عدي في قبول رواية شريك أو عدم سلامته فإن من روى عنه هو عبد الرحمن بن عبد الله بن دينار، وقد تقدم ما فيه.. وبهذا يسقط الطريقان معا عن الاعتبار لاشتراكهما بشريك كما مر.
وأما الثاني: وهو طريق ابن المغازلي، ففيه زيادة على شريك: أنس بن عياض الليثي، وهو لم يسلم من قدم أيضا وإن وثقه بعضهم، فالكلام فيه كالكلام في سابقه.
فهو تارة: ثقة كثير الخطأ، كما عن ابن سعد.
وأخرى: صويلح - بالتصغير - كما عن إسحاق بن منصور.
وثالثة: فيه غفلة الشاميين - وما أدراك ما غفلة الشاميين؟! - كما عن أبي داود.
ورابعة: إنه ثقة أحمق، كما عن مالك.
أنظر: ترجمته في تهذيب التهذيب ١ / ٣٢٨ رقم ٦٨٩.
ومن كان هذا شأنه فكيف تعارض روايته حديث أم سلمة الذي تقدم تخريجه - وهو الحديث الأول في هذه الرسالة - من طرق كثيرة، ورواه الترمذي وأحمد والحاكم وعشرات غيرهم، وجميع نصوصه تؤكد إبعاد أم سلمة - رضي الله تعالى عنها - عن الدخول مع أهل الكساء عليهم السلام؟!
وأغلب الظن هو وهم الرواة أو تعمدهم - لا سيما وفيهم (المغفل والأحمق) - بتبديل قول الرسول صلى الله عليه وآله وسلم: (إنك إلى خير إن شاء الله) ب‍: (بلى إن شاء الله)، وبهذا حق للمصنف قدس سره - أن يقول في جواب هذا الايراد: (إنا لا نسلم صحة سندها).
ولعل من المناسب هنا أن ننقل قول العبري وهو من فقهاء الشافعية، ومن شراح (منهاج الوصول) للقاضي البيضاوي، قال - حسبما نقله عنه الأسنوي في نهاية السول - ما نصه: (في رواية الشيعة هذا الحديث أنه قال عليه السلام: (إنك إلى خير) لما أنه قال: (بلى) ولو سلم فكونها من أهل البيت معلق بمشيئة الله تعالى، فلا تكون من أهل البيت جزما، والمذهب عنهم الرجس أهل البيت جزما - إلى أن قال -: فظاهر الآية وإن تناول الأزواج لكن حديث لف الكساء قرينة صارفة عن الظاهر بتخصيص الآية بالعترة، لأن قوله [صلى الله عليه وآله وسلم]:
(هؤلاء أهل بيتي) دون غيرهم، رد لمن اعتقد أن الأزواج أيضا من أهل البيت فيكون قصر [ا] إفراد [ا]).
أنظر: نهاية السول - الأسنوي الشافعي - 2 / 399 - في بحث الإجماع.
(٤٣٨)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 433 434 435 436 437 438 440 441 442 443 444 ... » »»
الفهرست