مجلة تراثنا - مؤسسة آل البيت - ج ٣ - الصفحة ٨
فما يسع المحقق - والحالة هذه - إلا أن يعتد بالصبر في مواجهة هذه المشكلات، ليخرج منها سالما من تطرق الأوهام.. إلا أوهاما هي من طبيعة الإنسان.
إما إن ضجر المحقق فقد فقد أقوى جننه.. ولا يأمل أن يخرج كتابا أحسن من نسخة مخطوطة كغيرها من المخطوطات.
ولا يخفى أن من ملازمات الصبر الأناة، لأن العجلة مظنة السهو والوهم، وليجرب المحقق نسخ المخطوط الذي يبغي تحقيقه - والنسخ مرحلة يسرع فيها المحقق بطبعه لأن التدقيق والتنقير سيأتي بعدها - ولينظر في مرحلة المقابلة - التي تأتي بعد النسخ - ليرى كم سقط من قلمه من كلمات وكم زاد من عنده!
ولئن تسومح بالسرعة في مرحلة النسخ، فلا يمكن أن يتسامح بها في مرحلة الضبط.. وما يضير المحقق أن يصرف من وقته ساعات - بل أياما - منقبا في بطون الكتب مراجعا للعارفين بالفن.. لضبط مشكل أو تصحيح تصحيف أو إيضاح غامض.
وما أشبه عمل المحقق المتأني باللؤلؤة الطبيعية في جوف المحارة تستوي كما أراد لها الله تعالى، ثم تكون زينة تزري بالألوف من لؤلؤ الصناعة السريع إنتاجه.
6 - الأمانة: يعتز الكاتب بكتابه اعتزازا بالغا قد يوازي اعتزازه بولده أو يزيد، لأن ولد امتداد له إلى عدة عقود من الزمان بينما كتابه امتداد خالد له ونعني بالخلود هنا مفهومه الأرضي أي البقاء الطويل - والإنسان بطبعه مفطور على حب البقاء، وما أهرام مصر.. وما تحنيط جثة لنين الملحد إلا شاهد صدق على هذا.
فالمؤلف عندما ينهي كتابه ويضع فيه أعز ما عند الإسلام - فكره - فكره - إنما يتركه أمانة في أعناق الأجيال، وهو لا يرضى بتغييره أو تحويره، وقد نبه بعضهم في أواخر كتبهم على هذا ولعنوا من بدل أو غير في مؤلفاتهم.
وما أسوأ ما صنع ناسخ التفسير العظيم - تفسير العياشي - حيث حذف أسانيده، وفي هذا التفسير من درر أحاديث أهل البيت عليهم السلام ما لا يوجد في غيره، ولو وصلنا مسندا لكان شأنه في العلم والفكر أي شأن.
فقد جنى ناسخه - كما ترى - جناية علمية كبرى في إغفاله الأمانة عند
(٨)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 2 3 5 6 7 8 9 10 11 12 13 ... » »»
الفهرست