أما الأول فلأنه لو كان تشوش باله واضطراب حاله بمجرد سماع قولهم مات النبي، للزم أن يزول عقله بالكلية لما تحقق عنده موت النبي بقول أبي بكر، لكنه بادر إلى السقيفة مرتاح البال، وجعل يزور في نفسه كلاما ليقوله للأنصار فيخصمهم به، ثم حضرها وفعل هناك ثم خارجها ما فعل حتى أتم الأمر لأبي بكر.
ثم إن السعد لم يذكر السبب " لتشوش البال واضطراب الحال والذهول عن جليات الأحوال " فإن كان السبب محبة النبي صلى الله عليه وآله والتألم من فقده، كان اللازم أن يكون من جملة الذين تولوا تجهيز النبي ودفنه، لا المعرضين عن ذلك، الغاصبين لتراثه..
وأيضا: لو كان السبب في الانكار ما ذكر لما جعل القوم كلام أبي بكر له دليلا على أعلميته كما في كلام الكرماني في شرح الحديث في (الكواكب الدراري):
" وفيه فضيلة عظيمة لأبي بكر ورجحان علمه على عمر وغيره ".
وأيضا: لو كان ما ذكر هو السبب فلماذا لم يكذب خبر موته صلى الله عليه وآله وسلم يوم أحد؟ قال السيوطي: " أخرج ابن جرير عن القاسم بن عبد الرحمن ابن رافع أخي بني عدي بني النجار قال: إنتهى أنس بن النصر عم أنس بن مالك إلى عمر وطلحة بن عبيد الله في رجال من المهاجرين والأنصار وقد ألقوا ما بأيديهم فقال: ما يجلسكم؟ قالوا: قتل محمد رسول الله، قال: فما تصنعون بالحياة بعده؟
قوموا فموتوا على ما مات عليه رسول الله، واستقبل القوم فقاتل حتى قتل " (1).
وأما الثاني فلأن المعنى الذي يزعم أنه فهمه من الآيات لا ينافيه الآية:
* (إنك ميت وإنهم ميتون) * فلماذا سكن حين تلاها أبو بكر عليه ولم يقل له: لا دلالة في الآية على من جوز بالآيات الموت عليه صلى الله عليه وآله وسلم في المستقبل وأنكره في هذه الحال؟