الإيمان والكفر - الشيخ جعفر السبحاني - الصفحة ١٨
3 - وقال سبحانه: * (وإن طائفتان من المؤمنين اقتتلوا فأصلحوا بينهما فإن بغت إحداهما على الأخرى فقاتلوا التي تبغي حتى تفيئ إلى أمر الله) * (الحجرات - 9) ترى أنه سبحانه أطلق المؤمن على الطائفة العاصية وقال ما هذا مثاله: فإن بغت إحدى الطائفتين من المؤمنين على الطائفة الأخرى منهم، والظاهر أن الإطلاق بلحاظ كونهم مؤمنين حال البغي لا بلحاظ ما سبق وانقضى، أي بمعنى أنهم كانوا مؤمنين.
4 - * (يا أيها الذين آمنوا اتقوا الله وكونوا مع الصادقين) * (التوبة - 119) فأمر الموصوفين بالإيمان بالتقوى أي الإتيان بالطاعات واجتناب المحرمات، ودل على أن الإيمان يجتمع مع عدم التقوى، وإلا كان الأمر به لغوا وتحصيلا للحاصل، وحمل الأمر في الآية على الاستدامة خلاف الظاهر.
5 - هناك آيات تدل على أن محل الإيمان ومرتكز لوائه هو القلب، قال سبحانه: * (أولئك كتب في قلوبهم الإيمان) * (المجادلة - 22) ولو كان العمل جزءا منه لما كان القلب محلا لجميعه، وقال سبحانه: * (ولما يدخل الإيمان في قلوبكم) * (الحجرات - 14).
وهناك سؤال يطرح نفسه وهو: أن ظاهر الآية كون القلب محلا لجميع الإيمان مع أن جمهور الفقهاء والمتكلمين جعلوا الإقرار باللسان جزءا منه والإقرار قائم باللسان لا بالقلب، ولكن الإجابة عنه سهلة، وهي: أن حقيقة الإيمان ومرتكز لوائه هو القلب، غير أنه لا يصح الحكم بكونه مؤمنا إلا بعد اعترافه باللسان. فالجحد مانع وإن أذعن قلبا والإقرار باللسان شرط لا جزء له، أي شرط لحكمنا بكونه مؤمنا. نعم، لو كان هناك علم لا يقبل الخطأ بأن الرجل مصدق بما جاء به الرسول غير أنه لا يستطيع أن يقر، كما في ملك الحبشة، فقد آمن بالرسول واعترف بنبوته قلبا، فهو مؤمن، والشرط عندئذ ساقط للضرورة،
(١٨)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 13 14 15 16 17 18 19 20 21 22 23 ... » »»