شرح إحقاق الحق - السيد المرعشي - ج ٣٢ - الصفحة ٦
ولي الخلافة الفاطميون بمصر قصروا اسم الشريف على ذرية الحسن والحسين واستمر ذلك بمصر إلى الآن، قاله السيوطي. فتخصيص الشرف بأولاد السبطين ليس بشرعي وإنما هو عرفي.
قال في الدر النفيس عقب نقله ما سلف: وهذا الذي أحدثه الفاطميون بمصر هو قديم عندنا بالمغرب من لدن افتتحه المولى إدريس بن عبد الله ه‍. ومن مزاياه دخوله في المباهلة والكساء وحمله في أكثر الحروب اللواء وقول النبي صلى الله عليه وسلم:
أما ترضى أن تكون مني بمنزلة هارون من موسى. وهو في المرتبة الرابعة باعتبار التفضيل على ما عليه الجمهور، وقد وقع بينه وبين معاوية حرب طاحنة أفضت إلى التحكيم وبسببه نشأت الخوارج لخروجهم عن التحكيم ونشأت إذ ذاك فتن معضلة لا يمكننا الوقوف على حقيقتها كما قال أئمة السلف، فتلك دماء طهر الله منها أيدينا فلا نلوث بها ألسنتنا. مات شهيدا في 17 رمضان سنة 40 هجرية وله 63 سنة ضربه عبد الرحمن بن ملجم الخارجي، ودفن بالكوفة في قصر الإمارة عند المسجد الجامع (1).

(١) قال الفاضل المعاصر خالد محمد خالد في كتابه " في رحاب علي عليه السلام " ص ٤٥ ط دار المعارف بمصر ودار المعارف بلبنان:
هنا يعيش علي ويحيا. أجل، هنا مذ كان محمد عليه السلام عابدا يبحث عن الحق، ويتعبد في غار حراء، ويقلب وجهه في السماء، وكأنه على موعد يترقبه ويتعجله. وهو هنا يعيش بعد أن أوحى إلى رسول الله ودعته السماء ليقول كلمتها، ويبلغ رسالتها.
وعندما بدأت أيام الرسالة الأولى بل عندما بدأت أول ساعاتها ولحظاتها - كان هناك ثلاثة يلحظون التغير الهائل الذي أخذ يرسم سيماه على حياة الرسول، هم خديجة زوجته وعلي ابن عمه وزيد خادمه، ولقد أسلموا بهذا الترتيب أيضا. سأله علي وهو ابن عشر سنين لا غير: ماذا أراك تصنع؟ وأجابه الرسول: إني أصلي لله رب العالمين. وسأله علي: ومن يكون رب العالمين؟ وعلمه الرسول وهداه:
إنه إله واحد لا شريك له له الخلق وبيده الأمر يحيي ويميت وهو على كل شئ قدير. ولم يتردد الغلام المبارك، فأسلم وكان أول المسلمين في حين كانت خديجة رضي الله عنها أول المسلمات.
ومن ذلك اليوم، وهو مع النبي لا يفارقه، يصلي معه، ويصغي إليه، ويراه وهو يتهيأ لتلقي الوحي.
وكم من آية وآيات، كان هو أول من يسمعها وهي لا تزال حديثة العهد بمنزلها وموحيها. وأخذ الذين اصطفتهم السماء لصحبة الرسول يقبلون عليه مؤمنين: أبو بكر الصديق فعثمان والزبير وطلحة وابن عوف وسعد بن أبي وقاص. فأبو عبيدة وأبو سلمة والأرقم وأبناء مظعون وخباب وسعيد بن زيد وعمار وعمير وابن مسعود الذين كتب لهم حظ السبق إلى الإسلام.
وصارت دار الأرقم على الصفا مكان لقائهم، يتلقون فيه خفية وسرا، فيتلو عليهم الرسول ما يتنزل به الوحي على قلبه ويصلي بهم، ويبارك إيمانهم.
لم يغب علي عن دار الأرقم أبدا، ولم يفته من مشاهدها الخالدة مشهد واحد وتحت سقفها وكذلك سقف الدار التي يسكنها النبي، ويقيم علي معه فيها.
طالما سمع آيات الله تتلى، وطالما غمرته أنوار النبوة تغسل حوبه وذنبه.
ماذا؟! أأقول تغسل حوبه وذنبه؟ ولكن متى كان له حوبه أو ذنب متى، وهو الذي ولد في الإيمان والعبادة والهدى؟ إنه وهو في السادسة من عمره بدأ يعيش مع محمد الصادق الأمين، يتأدب على يديه، ويتأثر بطهره، وعظمة نفسه، وتقى ضميره وسلوكه وحين بلغ العاشرة، كان الوحي قد أمر الرسول بالدعوة وكان هو سابق المسلمين. وسارت حياته من ذلك اليوم إلى أن يجئ اليوم الذي سيلقى فيه ربه تطبيقا كاملا وأمينا لنهج الرسول وتعاليم القرآن.
ألا بوركت هذه الحياة، حياة لم تكن لها قط، صبوة ولا شهوة ولا هفوة. حياة ولد صاحبها وتبعات الرجال فوق كاهله. حتى لهو الأطفال، لم يكن لحياة ابن أبي طالب فيه حظ ولا نصيب.
فلا مزامير البادية، ولا أغاني السمار شبع منها سمع الطفل، ووجدان الشاب. لكأن المقادير كانت تدخر سمعه ووجدانه، لكلمات أخرى ستغير وجه الأرض، ووجه الحياة. أجل لقد أدخر سمع الفتى وقلبه، ليتلقى بهما كما لم يتلق أحد مثله آيات الله العلي الكبير. أرأيتم الآيات التي سمعناها من قبل؟
فلنتصور عليا وهو يسمعها طازجة مشرقة متألقة حديثة العهد بربها، يرتلها رسول رب العالمين. ولكن لا فلن نستطيع أن نتصور، أو حتى تخيل. وحسبنا ونحن نطالع هذه الحياة أن نقدر على متابعة الكلمات التي تروي أنباءها وعجائبها.
في نور هذه الآيات المنزلة، والتي كان الوحي يجئ بها تباعا، قضى علي بن أبي طالب بواكير حياته النضرة، يبهره نورها ويهزه هديرها. يسمع آية الجنة يتلوها الرسول، فكأنما الغلام الرشيد يراها رأي العين، حتى ليكاد يبسط يمينه ليقطف من مباهجها وأعنابها. ويسمع آية النار، فيرتعد كالعصفور دهمه إعصار، ولولا جلال الصلاة وحرمتها لولي هاربا من لفح النار الذي يكاد يحسه ويراه.
أما إذا سمع آية تصف الله في عظمته، وجلاله، أو آية تعاتب الناس على إشراكهم بالله ما ليس لهم به علم، وجحودهم فضله ونعمته فعندئذ يتحول الغلام الراشد إلى ذوب تقى وحياء.
لقد أشرب قلبه جمال القرآن وجلاله وأسراره، هذا الذي كان يشهد نزوله آية آية حتى صار جديرا بأن يقول وهو صادق: سلوني وسلوني وسلوني عن كتاب الله ما شئتم.. فوالله ما من آية من آياته إلا وأنا أعلم أنزلت في ليل أم في نهار. وحتى كان كما وصفه الحسن البصري رضي الله عنه. أعطي القرآن عزائمه وعلمه وعمله، فكان منه في رياض مونقة وأعلام بينة. هذا هو علي بن أبي طالب. هذا هو الذي نرجو ألا نكون مغالين إذ وصفناه بأنه: ربيب الوحي. فطوال السنوات الأولى لنزول الوحي، كان فتانا هناك، يشهد نزوله، ويسبق غيره في تلقيه من رسول رب العالمين. ويلقى سمعه، وقلبه لأسراره وأنواره.
ولطالما شهدته شعاب مكة، وهو ثاني اثنين الرسول عليه السلام، وعلي كرم الله وجهه، يصليان معا، بعيدا عن أعين القرشيين وأذاهم.
وهنالك في رحاب الصحراء الواسعة، حيث لا يرتد البصر أمام حدود أو سدود، وحيث تتنزل على النفس أسرار الكون العظيم. عاكسة على الشعور جلاله ومجده، كان علي يتلقى من فم الرسول كلمات القرآن وآياته نفسه مرفهة، وعزمه متهلل قلبه جميع، وروحه حر وشخصيته بكل خصائصها الموروثة والمكتسبة، تتلقى تأثيرا لا يقاوم وتستسلم في غبطة مطلقة لهذه الآيات التي آمن بها وحيا ودينا. وآمن بقارئها وتاليها نبيا ورسولا.
من أجل هذا، لا نعجب، إذ رأينا عليا طوال حياته يعطي القرآن ولاء مطلقا ولا يقبل أدنى ميل عنه، ولا يغفر أقل تفريط فيه. إنه ربيب الوحي والتلميذ الأول للقرآن
(٦)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 9 1 3 4 5 6 6 6 6 17 18 ... » »»
الفهرست
الرقم العنوان الصفحة
1 مستدرك ترجمة الإمام على عليه السلام 3
2 مستدرك ألقابه عليه السلام وكناه الشريفة 32
3 مولد علي عليه السلام 33
4 تزويج أمير المؤمنين بفاطمة الزهراء عليهما السلام 41
5 حديث: علمني ألف باب يفتح من كل باب ألف باب 50
6 حديث: قسمت الحكمة عشرة أجزاء فأعطى على تسعة 57
7 كلام ابن عباس في علم علي عليه السلام 57
8 حديث: أنا مدينة العلم وعلي بابها 58
9 حديث: سلوني قبل أن تفقدوني 58
10 قول على عليه السلام: سلوني عن طرق السماوات فإني أعلم بها من طرق الأرض 68
11 جوابه عليه السلام لليهود 69
12 لأمير المؤمنين علم ظاهر كتاب الله وباطنه 70
13 أول من وضع علم النحو علي بن أبى طالب عليه السلام 77
14 علمه عليه السلام بالجفر 87
15 ما ورد أن أمير المؤمنين كان أفرض أهل المدينة وأقضاها 93
16 مستدرك أقضى الأمة علي عليه السلام 101
17 حديثه وحديث ابن عباس في ذلك 101
18 حديث جابر وأنس بن مالك 102
19 حديث عبد الله بن مسعود 103
20 قول عمر علي أقضانا 106
21 قصة زبية الأسد وقضاء علي عليه السلام 120
22 قضاؤه عليه السلام في الأرغفة 125
23 أمر علي عليه السلام الزوجين أن يبعثا حكما من أهلهما 129
24 من أقضيته عليه السلام 131
25 أول من فرق الخصوم علي عليه السلام 173
26 جلد شراحة يوم الخميس ورجمها يوم الجمعة 173
27 قضاؤه في الخنثى المشكل سأله معاوية 174
28 قضاؤه في ثلاثة نفر وقعوا على امرأة ولدت 175
29 عدل علي عليه السلام في الحكومة 189
30 ما ورد في زهد أمير المؤمنين وعدله وإنفاقه في سبيل الله تعالى 212
31 من عدله أمره بكنس بيت المال ثم ينضحه ويصلى فيه ولم يحبس فيه المال عن المسلمين 250
32 زهد علي عليه السلام وعدله 255
33 عفوه عليه السلام وحلمه وصفحه عن عدوه 288
34 من عدله ما أوصاه في قاتله بإطعامه وسقيه والاحسان إليه وعدم التمثيل به 289
35 خوفه عليه السلام من الله تعالى 296
36 إنفاقه في سبيل الله تعالى 297
37 إعطاؤه عليه السلام حلة للسائل الذي كتب حاجته على الأرض بأمره 297
38 صدقات علي عليه السلام 301
39 شجاعة أمير المؤمنين علي بن أبي طالب عليه السلام 305
40 قتل أمير المؤمنين حية وهو في المهد صبي 338
41 مبيته علي فراش رسول الله صلى الله عليه وآله ليلة الهجرة 339
42 ان عليا كان معه راية رسول الله " ص " في بدر وأحد وغيرهما 341
43 ما ورد في شجاعته عليه السلام يوم بدر 344
44 ما ورد في شجاعته عليه السلام يوم أحد 351
45 لا سيف إلا ذو الفقار ولا فتى إلا علي 357
46 ما ورد في شجاعته عليه السلام يوم الأحزاب 363
47 ما ورد في شجاعته يوم خيبر 374
48 ما ورد في شجاعته يوم حنين والطائف 396
49 شجاعته عليه السلام في بنى قريظة 399
50 شجاعته عليه السلام في حرب جمل 399
51 إخبار النبي " ص " لعلي عما يكون بينه وبين عائشة 403
52 قول النبي لأزواجه: أيتكن صاحبة الجمل تنبحها كلاب الحوأب 405
53 جعل رسول الله " ص " طلاق نسائه بيد علي في حياته وبعد مماته 412
54 إخفاء عائشة اسم أمير المؤمنين علي عليه السلام 414
55 قصة حرب الجمل 417
56 ما صدر من شجاعته عليه السلام يوم صفين 513
57 قتل مع علي بصفين من البدريين خمسة وعشرون بدريا 520
58 شجاعته عليه السلام يوم النهروان 523
59 الخوارج والأخبار الواردة فيهم عن النبي والوصي عليهما السلام 523
60 ذم الخوارج وسوء مذهبهم وإباحة قتالهم 536
61 إخباره عليه السلام عن الخوارج وعن ذي ثديتهم 537
62 اخبار النبي " ص " عن الخوارج المارقة 582
63 اخبار النبي " ص " عن شهادة علي عليه السلام 595
64 حديث أنس بن مالك 595
65 حديث أبى رافع 596
66 حديث جابر بن سمرة 597
67 اخباره عليه السلام عن شهادة نفسه 603
68 حديث محمد بن الحنفية 603
69 حديث فضالة بن أبى فضالة 604
70 حديث الأصبغ بن نباتة الحنظلي 606
71 حديث زيد بن وهب 609
72 حديث أبى مجلز وأبى الأسود 610
73 حديث أبى الطفيل 611
74 حديث نبل بنت بدر 613
75 حديث سالم بن أبى الجعد 614
76 حديث عبيدة وأم جعفر 615
77 حديث عثمان بن مغيرة 616
78 حديث كثير وروح بن أمية 617
79 حديث يزيد بن أمية الديلي 618
80 حديث عبد الله بن سبع 619
81 حديث ثعلبة بن يزيد الحماني 620
82 حديث والد خالد أبي حفص 620
83 ما روى جماعة مرسلا 621
84 استشهاد أمير المؤمنين بيد أشقى الناس ابن ملجم 624
85 قول علي عليه السلام: فزت ورب الكعبة 643
86 إن قاتل علي عليه السلام أشقى الأولين والآخرين وأشقى الناس 644
87 وصايا أمير المؤمنين حين رحلته إلى دار البقاء 653
88 تاريخ شهادته عليه السلام وسني عمره حين الشهادة 662
89 محل دفن جثمانه الشريف 667
90 حنوط علي من فضل حنوط رسول الله " ص " 673
91 قتل ابن ملجم اللعين 673
92 أزواجه عليه السلام 674
93 أولاده الأشراف السادة 678
94 بعض مراثيه عليه السلام 686