خليفة) (16).
إذ لم يستحق آدم خلافة الله إلا بتلك المناسبة، وبهذه المناسبة ينقطع العبد إلى ربه، ويعرفه عند ابتلائه بمصيبة وبلية، وهذه المناسبة لا تظهر ظهورا تاما إلا بالمواضبة على النوافل بعد أحكام الفرائض، كما قال الله - تعالى -: (لا يزال العبد يتقرب إلي بالنوافل حتى أحبه، فإذا أحببته كنت سمعه الذي يسمع به، وبصره الذي يبصر به، ولسانه الذي ينطق به).
وهذا موضع تزل فيه الأقدام، حتى وقع قوم في التشبيه الظاهر، وآخرون في الحلول والاتحاد، وأهل الحق الذين انكشفت لهم استحالة التشبيه والاتحاد، وفساد طرفي التفريط والافراط، واتضحت لهم حقيقة السر، وعرفوا تلك المناسبة واستقاموا عليه: هم الأقلون. ثم من المناسبة الظاهرة التي بين العبد وبين ربه هو قرب العبد من الله في الصفاة الربوبية والأخلاق الإلهية كالعلم، والبر، والاحسان، واللطف، وإفاضة الخير والرحمة على الخلق، وإرشادهم إلى الحق... إلى غير ذلك من الصفات الإلهية، ولذا قيل: تخلقوا بأخلاق الله. ولا ريب في أن كل ذلك يقرب العبد إلى الله، ويصيره ناسبا له. وأما العلية والمعلولية فالأمر فيه ظاهر، وباقي الأسباب أسباب ضعيفة نادرة، اعتبارها في حق الله نقص.
وقد ظهر مما ذكر: أن أسباب الحب بجملتها متظاهرة في حق الله - تعالى - تحقيقا لا مجازا، أو في أعلى الدرجات لا أدناها، ثم كل من يحب أحدا من الخلق بسبب هذه الأسباب يتصور أن يحب غيره لمشاركته إياه في السبب. والشركة نقصان في الحب، لا يتصف أحد بوصف محبوب إلا ويوجد شريك له فيه، والله - سبحانه - هو الذي لا يشاركه غيره في أوصاف الكمال والجمال، لا وجودا ولا إمكانا فلا جرم لا يكون في حبه شركة، فلا يتطرق إليه نقصان، كما لا تتطرق الشركة والنقصان إلى أوصاف كماله، فهو المستحق لأصل المحبة وكمالها، ولا متعلق للمحبة إلا هو، إلا أنه لا يعرف ذلك إلا العارفون من أوليائه وأحبائه، كما قال